{وَأَجْدَرُ}: أحرى وأولى .
الأعراب ..كافرون ومؤمنون
وينطلق القرآن ليتابع حركة الواقع على الأرض ،من خلال النماذج الحيّة المنحرفة والمستقيمة ،الكافرة والمؤمنة ،ليتعلم الناس مواجهة الفكرة من خلال النموذج الحي المتحرك في الساحة ،فيتحدث لنا عن الأعراب الذين يسكنون البادية ،حيث المصالح الذاتية الضيقة هي التي تتحرك في وجودهم بعيداً عن الأهداف الكبيرة الشاملة ،فيقودهم ذلك إلى الكفر والنفاق والانحراف عن الخط المستقيم الذي يتمثل في حدود الله .
الأعراب أشد كفراً ونفاقاً
{الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} لأن الإنسان كلما اشتدَّ جهله وابتعد عن مواقع المعرفة ،كلما ضاق أفقه عن استيعاب القضايا الكبيرة واشتد به التعصب للضلال ،لأن الجهل يمنع الإنسان من الانفتاح على الحوار من مواقع الفكر ،فيلجأ إلى التعصب الذميم الخانق الذي يغلق عنه أبواب التسامح .وإذا اصطدم بالواقع في بعض مراحله ،وفرضت عليه الأجواء المحيطة به في مراكز القوّة أن يخضع للحق بعيداً عن مزاجه ،يلجأ إلى النفاق الذي يحاول من خلاله تغطية مواقفه الحقيقيّة ،وكلما اشتد الضغط أكثر كلما ازداد نفاقه ،وهذا هو ما جعلهم أشد كفراً ونفاقاً من غيرهم .فالحضارة تمنح الإنسان نوعاً من المرونة التي تفتح فكره وتهذّب أسلوبه ،وتنطلق به في الاتجاه السليم الذي قد لا يصل به إلى الخط المستقيم ،ولكنه لا يحشره في الزاوية ،حيث الأفق المحدود الذي يؤدي به إلى الاختناق{وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} من مفاهيم وشرائع وأساليب للفكر والعمل والحياة ،لأن ذلك يفرض عليهم الاقتراب إلى مصادر المعرفة التي تقرّبهم إلى خطّ الالتزام من موقع الفكر والمعاناة ،مما يدفعهم إلى معرفة الفواصل بين خط الإسلام وخط الكفر ،أو بين خط الاستقامة وخط الانحراف ،{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} في ما يوحي لرسوله مما يتناسب مع حاجة الناس إلى الهداية وينسجم مع مصالحهم الحقيقية في الحياة .