القول في تأويل قوله:الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:الأعراب أشدُّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار. وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك، لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير, فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله.
* * *
وقوله:(وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله)، يقول:وأخلق أن لا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله، (19) وذلك فيما قال قتادة:السُّنن.
17092- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله:(وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله)، قال:هم أقل علمًا بالسُّنن.
17093- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن الأعمش, عن إبراهيم قال:جلس أعرابي إلى زيد بن صُوحان وهو يحدث أصحابه, وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَنْد, فقال:والله إنّ حديثك ليعجبني, وإن يدك لَتُرِيبُني ! فقال زيد:وما يُريبك من يدي؟ إنها الشمال! فقال الأعرابي:والله ما أدري، اليمينَ يقطعون أم الشمالَ؟ فقال زيد بن صوحان:صدق الله:(الأعرابُ أشدُّ كفرًا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزلَ الله على رسوله). (20)
* * *
وقوله:(والله عليم حكيم)، يقول:(والله عليم)، بمن يعلم حدودَ ما أنـزل على رسوله, والمنافق من خلقه، والكافرِ منهم, لا يخفى عليه منهم أحد =(حكيم)، في تدبيره إياهم, وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم وخِداعهم أولياءَه. (21)
---------------------
الهوامش:
(19) انظر تفسير "حدود الله "فيما سلف 8:68 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .
(20) الأثر:17093 - "عبد الرحمن بن مغراء الدوسي "، ثقة ، متكلم فيه . مضى برقم:11881 . وكان في المطبوعة:"عبد الرحمن بن مقرن "، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فبدل من عند نفسه .
و "زيد بن صوحان العبدي "، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثقة قليل الحديث ، مضى برقم:13486 .
وهذا الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 6:84 ، 85 من طريق يعلي بن عبيد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم.
(21) انظر تفسير "عليم "و "حكيم "، فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .