الأعراب: سكان البادية من العرب .
كان يجاور المؤمنين السابقين المخلصين من المهاجرين والأنصار ،جماعاتٌ أخرى: الأعراب: وفيهم المخلِصون والمنافقون ؛والمنافقون من أهل المدينة ،وقد كشفهم الله تعالى بهذه السورة المباركة ؛وآخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولم ينصهِروا في بوتقة الإسلام تماما ؛وطائفة مجهولة الحال لا تُعرف حقيقة مصيرها ،أمرُها متروك لله ؛ومتآمرون يتستّرون باسم الإسلام ،ويدبّرون المكايدّ ويتَّصِلون بأعداء الإسلام في الخارج .والقرآن الكريم يتحدث عن هذه الجماعات كلِّها باختصار مفيد ،ويقرر كيف يجب أن تُعامل هذه الجماعات .
وهو يقسم الناسَ على أساس التقوى والإيمان الخالص بالله والعملِ الصالح ،فقد تحدّث عن أحوال العرب مؤمنيهم ومنافقيهم ،وبيّن في هذه الآية والآيتين اللاحقتين أحوالَ الأعراب مؤمنيهم ومنافقهم فقال:
{الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
الأعراب من أهل البادية أشدُّ كفرا ونفاقا من أمثالهم أهلِ الحضر ،لأنهم يقضون جُلَّ أعمارهم في البادية يخدمون مواشيَهم وأنعامهم ،بعيدين عن أهل العلم والحكمة .وهم حقيقون أن يجهَلوا حدودَ الله ،وما أنزلَ على رسوله من شرائع وأحكام ،واللهُ عليم حكيم ،واسعُ العلم بشؤون عباده وأحوالهم ،حكيم فيما يقدِّره من جزاء ومن نعيم .
وقد وردت أحاديث كثيرة تشير إلى جَفاء الأعراب ،وغِلْظَتِهم ،وبُعدهم عن الآداب والمعرفة .قال ابن كثير في تفسيره: ( جلس أعرابي إلى زيد ابن صوحان ،أحدِ التابعين العلماء الشجعان ،وقد شهِد الفتوحَ وقُطعت يده في نَهاوَنْد ،فقال له الأعرابي: واللهِ إن حديثك لَيُعجبني ،وإن يَدك لتُريبني .فقال زيد: وما يريبك من يدي ،إنها الشّمال !فقال الأعرابي: واللهِ ما أدري اليمينَ يقطعون أو الشمال ؟فقال زيد بن صوحان: صدق الله ورسوله:{الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ} .
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من سكنَ الأبديةَ جفا ) .وهناك روايات كثيرة تكشف عن طابَع الجفوة والفظاظة في نفوس الأعراب حتى بعد الإسلام .