ثم أشار تعالى إلى أن منافقي الأعراب أشد رجسا فلا يغتر بحلفهم ،وإن لم يكذبهم الوحي ،فقال:{ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم} .
{ الأعراب} وهم أهل البدو{ أشد كفرا ونفاقا} أي من أهل الحضر ،لجفائهم / وقسوتهم وتوحشهم ،ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ،ومعرفة الكتاب والسنة{ وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} أي وأحق بجهل حدود الدين ،وما أنزل الله من الشرائع والأحكام{ والله عليم} أي يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر{ حكيم} أي فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ،مخطئهم ومصيبهم ،من عقابه وثوابه .
لطائف
الأولى – قال الشهاب:العرب ،هذا الجيل المعروف مطلقا ،والأعراب سكان البادية منهم ،فهو أعم .وقيل:العرب سكان المدن والقرى ،والأعراب سكان البادية من العرب ،أو مواليهم ،فهما متباينان ،ويفرق بين جمعه وواحده بالياء فيهما .
الثانية- ما ذكر في الآية من أجدرية جهل الأعراب من بعدهم عن سماع الشرائع ،وملابسة أهل الحق ،يشير إلى ذم سكان البادية ،وهو يطابق ما رواه الإمام أحمد{[4619]} ،وأصحاب ( السنن ) ،عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سكن البادية جفا ".وتتمته: "ومن اتّبع الصيد غفل ،ومن أتى السلطان افتتن ".وقوله صلى الله عليه وسلم{[4620]}: "إن الجفاء والقسوة في الفدادين ".قال ثعلب:الفدادون أصحاب الوبر ،لغلظ أصواتهم ،وهم أصحاب البادية .ويقال:من صحب الفدادين ،فلا دنيا نال ولا دين .مأخوذ من ( الفديد ) وهو رفع الصوت أو شدته .
/ قال ابن كثير:ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي ،لم يبعث الله منهم رسولا ،وإنما كانت البعثة من أهل القرى ،كما قال تعالى{[4621]}:{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} .
ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرد عليه أضعافها حتى رضي قال: "لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشيّ أو ثقفيّ أو أنصاريّ أو دوسيّ "،لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن:مكة والطائف والمدينة واليمن فهم ألطف أخلاقا من الأعراب ،لما في طباع الأعراب من الجفاء .
الثالثة- روى الأعمش عن إبراهيم قال: "جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ،وكانت يده قد أصيبت يوم ( نهاوند ) ،فقال الأعرابيّ:والله ! إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني ! فقال زيد:ما يريبك من يدي ،إنها الشمال ؟ فقال الأعرابي:والله ! ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان:صدق الله{ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}".