{قُرُبَاتٍ}: القربة: طلب الثواب والكرامة من الله تعالى بحسن الطاعة .
ومن الأعراب مؤمنون
ولكن هل هذه هي كل الصورة ،أم أنَّ هناك وجهاً آخر مشرقاً يفيض بالنور والخير والإيمان ؟إن الله يطرح علينا النموذج الآخر من الصورة ،الذي يعطينا الفكرة في أن البداوة لا تعني الحكم بالإعدام على كل انطلاقات الضوء في العقول والأفكار والمشاعر ،بل ربما تكتشف في عمقها الإنساني وصفاء شعورها الروحي ،ما يدفعها إلى العطاء والبذل والتضحية قربةً إلى الله .
{وَمِنَ الأعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} ولا يتجمد إيمانه في نفسه ،كفكرٍ يعيش الجانب النظريّ من الإيمان من دون أن يلامس الحياة بحركةٍ عمليّةٍ تطبيقيّةٍ ،بل يحاول أن يؤكد نفسه بالمعاناة الروحيّة المتحركة في خطّ الواقع{وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ} في ما يتقرب به الناس إلى الله في عبادة العطاء{وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} في ما ينبغي الحصول عليه من دعوات الرسول له بالخير عند الله ،وهذا هو المراد من الصلوات هنا .ويؤكد الله حصولهم على ذلك كله ،{أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ} لأنه تقبّل منهم نفقاتهم الخالصة المنطلقة من روح الإيمان وعمقه ،{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يغفر لهم ذنوبهم ،ويرحم خشوعهم وخضوعهم وابتهالاتهم في أجواء الرحمة .