/م97
أمّا الآية الأخيرة فقد أشارت إِلى الفئة الثّانية من الأعراب ،وهم المؤمنون المخلصون ،إذ تقول: ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ) ولهذا السبب فإنّهم لا يعتبرون الإِنفاق في سبيل الله خسارة أبداً ،بل وسيلة للتقرب إِلى الله ودعاء الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،لإِيمانهم بالجزاء الحسن والعطاء الجزيل الذي ينتظر المنفقين في سبيل الله: ( ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرّسول ) .
هنا يؤيّد الله تعالى ويصدّق هذا النوع من التفكير ،ويؤكّد على أنّ هذا الإِنفاق يقرب هؤلاء من الله قطعاً: ( ألا إِنّها قربة لهم ) ولهذا ( سيدخلهم الله في رحمته ) .وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات ،فإنّ الله سيغفرها لهم لإيمانهم وأعمالهم الحسنة ،ف ( إن الله غفور رحيم ) .
إنّ التأكيدات المتوالية والمكررة التي تلاحظ في هذه الآية تجلب الانتباه حقّاً ،فإنّ ( ألا ) و( إِن ) يدل كلاهما على التأكيد ،ثمّ جملة ( سيدخلهم الله في رحمته )خصوصاً مع ملاحظة ( في ) التي تعني الدخول والغوص في الرحمة الإِلهية ،وبعد ذلك الجملة الأخيرة التي تبدأ ب ( إنَّ ) وتذكر صفتين من صفات الرحمة وهما ( غفور رحيم ) كل هذه التأكيدات تبيّن منتهى اللطف والرحمة الإِلهية بهذه الفئة .
وربّما كان هذا الاهتمام بهؤلاء لأنّهم رغم حرمانهم من التعليم والتربية ،وعدم الفهم الكافي لآيات الله وأحاديث النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،فإنّهم قبلوا الإِسلام وآمنوا به بكل وجودهم ،ورغم قلّة إمكانياتهم الماليةالتي يحتمها وضع الباديةفإنّهم لم يمتنعوا عن البذل والإِنفاق في سبيل الله ،ولذلك استحقوا كل تقدير واحترام ،وأكثر ممّا يستحقه سكان المدينة المتمكنون .
ويجب الالتفات إِلى أنّ القرآن قد استعمل ( عليهم دائرة السوء ) في حق الأعراب المنافقين ،التي تدل على إِحاطة التعاسة وسوء العاقبة بهم ،أمّا في حق المؤمنين فقد ذكرت عبارة ( في رحمته ) لتبيّن إِحاطة الرحمة الإِلهية بهؤلاء ،فقسم تحيط به الرحمة الإِلهية ،والآخر تحيط به الدوائر والمصائب .
/خ99