ثم نوّه تعالى بمؤمني الأعراب الصادقين ،بقوله سبحانه:
[ 99]{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم 99} .
{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} امتثالا لأمره ،وترجيحا لحبه ،وقطعا لحب ما سواه .و{ قربات} مفعول ثان ل{ يتخذ} ،وجمعها باعتبار أنواعها ،أو أفرادها .
قال الشهاب:القربة ( بالضم ) ما يتقرب به إلى الله ،ونفس التقرب .فعلى الثاني / يكون معنى اتخاذها تقربا اتخاذها سببا له ،على التجوّز في النسبة أو التقدير .و{ عند الله} صفة ل{ قربات} أو ظرف ل{ يتخذ} و{ صلوات الرسول} أي سبب دعواته بالرحمة المكملة لقصوره ،وكان صلى الله عليه وسلم يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ،ويستغفر لهم ومنه قوله{[4622]} صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على آل أبي أوفى "{ ألا إنها قربة لهم} الضمير لما ينفق ،والتأنيث باعتبار الخبر ،والتنكير للتفخيم .أي قربة عظيمة جامعة لأنواع القربات ،يكملها الله بدعوة الرسول ،ويزيد على مقتضاها بما أشار إليه بقوله:{ سيدخلهم الله في رحمته} أي جنته{ إن الله غفور} يستر عيب المخلّ{ رحيم} يقبل جهد المقلّ .
قال الزمخشري:قوله تعالى:{ ألا إنها} شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديقا لرجائه ،على طريق الاستئناف ،مع حرفي التنبيه والتحقيق ،المؤذنين بثبات الأمر وتمكنه .وكذلك{ سيدخلهم} وما في ( السين ) من تحقيق الوعد .وما أدلّ هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين ،وأن الصدقة منه بمكان ،إذا خلصت النية من صاحبها ! انتهى .
وفي ( الانتصاف ):النكتة في إشعار ( السين ) بالتحقيق أن معنى الكلام معها ( أفعل كذا ،وإن أبطأ الأمر ) أي لابد من فعله .قال الشهاب:وفيه تأمل .