/م97
ولما ذكر حال هؤلاء الأعراب المنافقين عطف عليه بيان حال المؤمنين الصادقين منهم{[1]} فقال:{ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الأخر} إيمانا صادقا إذعانيا تصدر عنه آثاره من العمل الصالح .قال مجاهد:هم بنو مقرن من مزينة وهم الذين قال الله فيهم{ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} [ التوبة:92] الآية .وقال الكلبي:هم أسلم وغفار وجهينة ومزينة ، وثم روايات أخرى فيهم ، والنص يشمل جميع المؤمنين الصادقين منهم ومن غيرهم من الأعراب .وقد ذكر من وصفهم ضد ما ذكره في وصف من قبلهم في أمر النفقة في سبيل الله فقال:{ ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول} أي يتخذ ما ينفقه وسيلة لأمرين عظيمين:أولها القربات والزلفى عند الله عز وجل ، وثانيهما صلوات الرسول ، أي أدعيته ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو المتصدقين ويستغفر لهم ، ولم يثبت في النص انتفاع أحد بعمل غيره إلا الدعاء وما يكون المرء سببا فيه كالولد الصالح ، والسنة الحسنة يتبع فيها .فهذا القصد في اتخاذ الصدقات ضد اتخاذ المنافقين إياها مغرما .
والقربات كالقرب جمع قربة ( بضم القاف ) وهي في المنزلة والمكانة كالقرب في المكان والقرابة ، والقربى في الرحم ، والأصل في الكل واحد وهو الدنو من الشيء مطلقا ، فقصد القربة في العمل هو الإخلاص وابتغاء مرضاة الله ورحمته ومثوبته فيه .وجمعها باعتبار تعدد النفقات ففيه إيماء إلى إخلاصهم في كل فرد منها .والصلوات جمع صلاة ، ومعناها أو أحد معانيها في أصل اللغة الدعاء ، وإطلاقها على العبادة المخصوصة من أركان الإسلام شرعي وجهه أن الدعاء هو روحها الأعظم لأنه مخ العبادة ، وسرها الذي تتحقق به العبودية على أكمل وجوهها ، وهو في الفاتحة فريضة ، وفي السجود فضيلة ، ويأتي قريبا بيان هذه الصلوات على المتصدقين في تفسير الآية ( 103 ) .
وقد بين الله تعالى جزاء هؤلاء الأعراب على ما شهد لهم به من صدق الإيمان وإخلاص النية في الإنفاق في سبيل الله ، وأدائهم به حق الله ، وهو قصد القربة عنده ، وحق الرسول وهو طلب دعائه لهم بقبول نفقتهم وإثابتهم عليها ، فقال بأسلوب الاستئناف المشعر بالاهتمام:{ ألا إنها قربة لهم} وهو إخبار بقبوله تعالى لنفقتهم مؤكد بافتتاحه بأداة التنبيه الدالة على الاهتمام بما بعدها وهي ( ألا ) وب [ إن] الدالة على تحقيق مضمون الجملة وبالجملة الاسمية فقوله تعالى:[ إنها قربة] راجع إلى النفقة المأخوذة من قوله:[ ما ينفق] فإفراد القربة لأنها خبر الضمير المفرد .
وقوله:{ سيدخلهم الله في رحمته} تفسير لهذه القربة والمراد بالرحمة هنا الرحمة الخاصة بمن رضي الله عنهم ، وهي هداية الصراط المستقيم وما تنهي إليه من دار النعيم ، ومعنى إدخالهم فيها أن يكونوا مغمورين فيها وتكون هي محيطة بهم شاملة لهم ، وهذا أبلغ من مثل{ يبشرهم ربهم برحمة منه} [ التوبة:21] ، والسين في قوله [ سيدخلهم ) لتأكيد الوعد وتحقيقه وتقدم مثله .وعلله بقوله:{ إن الله غفور رحيم} أي واسع المغفرة والرحمة يغفر للمخلصين في أعمالهم ما يلمون به من ذنب أو تقصير ، ويرحم الصادقين في إيمانهم فيهديهم به إلى أحسن العمل وخير المصير ، وفي الآية من بلاغة الإيجاز ما يدل على علو مقام هؤلاء الأعراب .