/م31
المفردات:
من المؤمنين: ممن آمن بلوط .
غير بيت: غير أهل بيت ،والمراد بهم لوط وابنتاه ،وقيل: كانوا ثلاثة عشر .
التفسير:
35-36:{فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين*فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} .
ذهبت الملائكة إلى قوم لوط في صورة شبّان في ريعان الشباب ،ولما علم لوط بأن عنده ضيوفا من الشباب المعتدل قامة وصحة ،وكانوا يفعلون الفعلة الشنعاء وهي اشتهاء الرجال دون النساء ،وقضاء الوطر في جماع الرجال ،لقد انتكسوا بالفطرة وخرجوا على سنن الله ،فقد خلق الله الزوجين الذكر والأنثى ،وزوَّد صدر الرجل وصدر المرأة بما يكمل المتعة بين سالب وموجب ،وذكر وأنثى ،وتكامل وتعاطف ومودة ورحمة ،وذرية من الذكور والإناث ،واستمرار إعمار الأرض وتتابع الأجيال .
لكن هؤلاء انحرفوا بالفطرة كما قال لهم لوط:{إنّكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ...}( الأعراف: 81 ) .
ورغبوا في جماع ضيوف لوط ،فتمنى لوط لو أن لديه قوة من الرجال ،ليمنعهم بالقوة عن ضيوفه ،أو يجد مجموعة من الناس يستنجد بهم لينقذوه ،وقد بذل جهده في نصحهم وردعهم ،حيث قال لهم:{هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ .} ( هود: 78-83 ) .
وقد اكتفى القرآن بعرض هذا النقاش بين لوط وقومه ،وبين لوط والملائكة ،في مواضع أخرى من القرآن الكريم .
وقد أفادت الآيتان{35-36 ) من سورة الذاريات أن عناية الله بالمؤمنين وإرادته في سلامتهم ،قضت بأن يخرجوا من بيوتهم في ظلام الليل ،ولا يلتفتوا خلفهم ،غير زوجة لوط التي كانت تنضم إلى قومها وتعاونهم في أعمالهم الشاذَّة ،وتفشي لهم أسرار لوط ،فقضى الله أن يصيبها ما يصيب قومها .
{فأخرجنا من كان فيه من المؤمنين*فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} .
أي: فأخرجنا من كان في قرى قوم لوط ،ممن آمن بلوط عليه السلام ،فما وجدنا في هذه القرى غير أهل بيت المسلمين ،والمراد بهم لوط وابنتاه .
وأخرج ابن أبي حاتم ،عن سعيد بن جبير أنه قال: كانوا ثلاثة عشر .
أي: لم نجد أحدا من المسلمين غير ما يوازي تعداد أهل بيت واحد .
في أعقاب التفسير
ذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى عدم التفريق بين الإسلام والإيمان ،لأن القرآن في الآيتين السابقتين أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين .
فالمعنى:
أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من المؤمنين لنحفظهم من الهلاك ،فلم نجد في هذه القرى إلا أهل بيت واحد من المسلمين ،فيكون الإيمان مرادفا للإسلام ،وبهذا قال الإمام البخاري من أهل السنة .
والمتأمّل في القرآن الكريم يجد أن مدلول اللفظ الواحد يتغير بحسب السياق ،وقد ألّف مقاتل بن سليمان البلخي كتابا سماه ( الأشباه والنظائر في القرآن الكريم ) ،وقد بدأ الكتاب بمادة الهدى في القرآن الكريم ،فقال: الهدى في القرآن الكريم يأتي على ستة عشر وجها ،واستمر في عرض الألفاظ التي جاءت في القرآن الكريم على أكثر من وجه ومعنى .
فكلمة العين تطلق على العين التي تبصر ،وتطلق على عين الماء ،وتطلق على الجاسوس ،... وهكذا .
وعلماء الكلام يذكرون أن الإسلامهو الانقياد الظاهري والامتثال لأوامر الله ،أما الإيمان فهو التصديق الباطي ،ويستشهدون بقوله تعالى:
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...}
( الحجرات: 14 )
وبما رواه البخاري في صحيحه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسلام ،فقال:"أن تشهد أن لا إله إلا الله ،وأن محمدا رسول الله ،وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ،وتصوم رمضان ،وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا ".
وسئل عن الإيمان فقال:"الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وتؤمن بالقضاء والقدر ،خيره وشرّه ،حلوه ومرّه "8 .
ونلاحظ أن الإسلام والإيمان قد يجتمعان وقد يفترقان ،فأكثر الناس يظهرون الإسلام ويبطنون الإيمان ،فهؤلاء مسلمون لإسلامهم واستسلامهم لأمر الله ،وانقيادهم لحكمه ،ومعظمهم يبطن الإيمان والتصديق واليقين بالله تعالى وباليوم الآخر ،ومن هذا الصنف من آمن بلوط حيث كانوا مؤمنين ،وأيضا كانون مسلمين ،وقد يفترق الإيمان والإسلام ،مثل إسلام المنافقين ،فهو إسلام ظاهري لم يطاوعه ولم يتابعه إيمان الباطن .
قول تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .( المنافقون: 1 ) .
وقريب من ذلك بعض العصاة من الأعراب ،الذين أعلنوا إسلامهم ولم تتجاوب قلوبهم بالالتزام الكامل ،والطاعة والتضحية والفداء .
فقال بعض العلماء: هم منافقون ،وقال آخرون: هم مسلمون عصاة لم يصلوا للدرجة المطلوبة الرَّاقية من المؤمن الحق ،ويأمل القرآن توبتهم وتصحيح إيمانهم .
قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...}
( الحجرات: 14 )