/م1
المفردات:
في صحف: منتسخة من اللوح المحفوظ .
مكرمة: شريفة عند الله .
مرفوعة: رفيعة القدر والمنزلة عنده تعالى .
مطهرة: منزهة عن أيدي الشياطين ،وعن النقص .
بأيدي سفرة: كتبه من الملائكة ينسخونها من اللوح المحفوظ .
كرام: أعزّاء على الله تعالى .
بررة: أتقياء مطيعين لله تعالى ،وهم الملائكة .
التفسير:
13 ،14 ،15 ،16- في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهّرة* بأيدي سفرة* كرام بررة .
إن آيات القرآن مثبتة في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ ،مكرّمة عند الله جل وعلا ،لما فيها من العلم والحكمة ،ولنزولها من اللوح المحفوظ .
مرفوعة مطهّرة .رفيعة القدر عند الله لاشتمالها على أصول العقائد والآداب والأخلاق ،مطهّرة .منزهة عن النقص والضلالة ،ومحفوظة من عبث الشياطين والكفار لا ينالونها .
بأيدي سفرة .محمولة بأيدي سفرة ،أي: وسائط من الملائكة يسفرون بين الله ورسله ،لتبليغ الوحي الإلهي للرسل الكرام .
قال تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ...( الحج: 75 ) .
وقال تعالى: نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين .( الشعراء: 193 ،194 ) .
كرام بررة .
مكرمين عند ربهم ،مطيعين له ،كرام على الله ،فيهم بر بالمؤمنين وعطف عليهم ،حيث إنهم يدعون الله أن يغفر للتائبين ،وأن يحفظهم من السيئات ،وأن يشملهم برحمته .
قال تعالى: بل عباد مكرمون .( الأنبياء: 26 ) .
وقال سبحانه: لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .( التحريم: 6 ) .
وقال عز شأنه: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم* ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم* وقهم السيئات ومن اتق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم .( غافر: 7-9 ) .
وتطلق السفرة على الملائكة لأنها تسفر بين الله وبين الرسل ،وكذلك تطلق على الرسل لأنها تحمل رسالة الله إلى الناس ،كلاهما يطلق عليه سفرة .
وقال ابن جرير الطبري:
والصحيح أن السفرة: الملائكة ،وهم السفرة بين الله تعالى وبين خلقه ،ومنه يقال: السفير ،أي: الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير .
أخرج الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ،والذي يقرؤه وهو عليه شاق ،له أجران )iii .
في ظلال القرآن
علّق صاحب الظلال بضع صفحات على صدر سورة عبس ،ذكر فيها أن الحق جل جلاله جعل هداية السماء عالية سامقة ،لا ينالها إلا من رغب فيها ،وقد استجابت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وانفعلت بهذا التوجيه ،واندفعت إلى قرار هذه الحقيقة في حياته كلها ،وفي حياة الجماعة المسلمة ،لقد كان الإسلام ميلادا جديدا للبشرية ،كميلاد الإنسان الأول .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ،ويقول له كلما لقيه: ( أهلا بمن عاتبني فيه ربي ) ،وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة .
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ،وجعل عمه حمزة ،ومولاه زيد بن حارثة أخوين ،وقد جعل زيدا أميرا في غزوة مؤتة ،وكان آخر أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم ،يضم كثرة من المهاجرين والأنصار ،فيهم أبو بكر وعمر وزيراه وصاحباه ،وقال صلى الله عليه وسلم: ( سلمان منّا أهل البيت )iv .
وأخرج الشيخان ،والترمذي ،عن أبي موسى قوله: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ،وما نرى عبد الله بن مسعود وأمّه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،من كثرة دخولهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولزومهما لهv .
واستمر الخلفاء على هذا الهدى ،فمشى أبو بكر الصديق- وهو خليفة- يودّع بنفسه أسامة بن زيد ،ويقول: وما علي أن اغبر قدمي في سبيل الله ساعة .ثم يقول لأسامة: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل .
ثم تمضي عجلة الزمن ،فنرى عمر بن الخطاب يولّى عمار بن ياسر على الكوفة .
ويقول عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا .يعني بلالا ،الذي كان مملوكا لأمية بن خلف ،واشتراه أبو بكر وأعتقه .
وقد كان عبد الله يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة ،وكان عبد الله بن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع .
وتمتّع كثير من الموالي بتولي الفتيا مثل: الحسن البصري بالبصرة ،ومجاهد بن جبر ،وعطاء بن رباح وغيرهم .
وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها ،في اعتبار أنفسهم ،وفي اعتبار الناس من حولهم .