التفسير:
12- يعلمون ما تفعلون .
يعلمون أعمالكم ،ويسجّلونها عليكم ،للجزاء العادل يوم القيامة ،فاستحيوا من الله حق الحياء ،واحفظوا أنفسكم عن معصية الله .
ولله در القائل:
لم لا أنوح وأندب *** وجميع جسمي مذنب
نفسي لقبح فعالها *** بين الورى تتأدب
ملك اليمين أحته ***لم يلق شيئا يكتب
ملك الشمال بعكسه *** ليلا نهارا يتعب
وقد ورد في الأثر: أن كل له عشرة من الملائكة ،منهم الحفظة .
قال تعالى: له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ...( الرعد: 11 ) .
ومن الملائكة: الكتبة الذين يسجّلون على العبد أعماله ،بدون زيادة أو نقصان ،وقد سمّاهم الله: كراما كاتبين .فهم عدول أمناء ،يفرحون بالعبد الطائع ،ويتألمون لمعصية العاصي ،لكنهم أمناء في كتابتهم وشهادتهم .
قال تعالى: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون .( الجاثية: 29 ) .
وفي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ،ويجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ،اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا .( الإسراء: 78 ) .فيصعد الذين باتوا فيكم ،فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي ؟فيقولون: يا ربّنا تركناهم وهم يصلّون ،وأتيناهم وهم يصلّون ،فاغفر لهم يوم الدّين )viii .
والإيمان بالملائكة عقيدة من عقائد المسلم ،وهم عباد مكرمون ،لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،وهم قوى روحية ،منهم من ينزل بالوحي كجبريل عليه السلام ،ومنهم حملة العرش ،وهم الكروبيون الذين يدعون الله أن يرفع الكرب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،ومنهم المكلّف بالرياح والأمطار والخصب والنماء ،ومنهم المكلّف بالخسف والزلازل ،ومنهم من ينفخ في الصور وهو إسرافيل عليه السلام .
وللملائكة قوة فوق قوة البشر ،وقدرة على تنفيذ ما وكّلوا به من الأعمال ،فمنهم المبشّرون بالجنة الذين يحملون السلام والبشرى للمؤمن عند خروج روحه ،وعند دخوله الجنة .
ومنهم ملائكة العذاب الذين يتكفّلون بالعصاة ،وبحراسة جهنم ،وقد أفاد القرآن أن خزنة جهنم تسعة عشر ملكا ،فادّعى مكة أنهم قادرون على الإحاطة بهم ،فأفاد القرآن أن قدرتهم فوق طاقة البشر ،وربما كانوا تسعة عشر رئيسا أو فريقا أو صنفا ،وقد جعل الله عددهم اختبارا لإيمان المؤمن ،وإعلاما لأهل الكتاب بصدق القرآن وصدق محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى: سأصليه سقر* وما أدراك ما سقر* لا تبقي ولا تذر* لوّاحة للبشر* عليها تسعة عشر* وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ...( المدثر: 26-31 ) .