)نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( البقرة:223 )
التفسير:
قوله تعالى:{نساؤكم حرث لكم} يعني زوجاتكم موضع حرث لكم ،كما تكون الأرض حرثاً للزارع يبث فيها الحب ؛فيخرج الحب ،وينمو ،ويُنتفع به ؛كذلك النساء بالنسبة للرجال حرث يضع فيها الإنسان هذا الماء الدافق ،فينزرع في الرحم حتى ينمو ،ويخرج بشراً سوياً .
قوله تعالى:{فأتوا حرثكم}: الفاء للسببية ،أو للتفريع ؛والمراد ب «الحرث » هنا موضع الحرث - وهو الفرج - .
قوله تعالى:{أنى شئتم} أي من حيث شئتم ؛ف{أنى} ظرف مكان ؛والمعنى: ائتوا هذا الحرث من أي جهة شئتم ؛من جهة القبل - يعني الأمام - ؛أو من جهة الخلف ؛أو على جنب ؛المهم أن يكون الإتيان في الحرث ؛وقد زعمت اليهود أن الرجل إذا أتى امرأته من دبرها في قبلها صار الولد أحول ؛وكذبوا في ذلك ؛وقد أنزل الله تكذيبهم في هذه الآية:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} .
قوله تعالى:{وقدموا لأنفسكم} يعني الطاعات ،وما ينفعنا عند الله عزّ وجلّ ؛وإنما قال ذلك بعد ذكر إتيان النساء حتى لا ننشغل بهؤلاء النساء عن تقديم ما ينفعنا يوم القيامة ؛ومن التقديم للنفس أن يبتغي الإنسان بإتيان أهله تحصين فرجه ،وتحصين فرج امرأته ؛وطلب الولد الصالح ،وما أشبه ذلك مما يقارن الجماع من الأعمال الصالحة بالنية .
قوله تعالى:{واتقوا الله}: لما أمرنا بالتقديم لأنفسنا بالأعمال الصالحة أمرنا بالتقوى - وهي فعل أوامره - ،واجتناب نواهيه .
قوله تعالى:{واعلموا أنكم ملاقوه} أي في يوم القيامة ؛لقوله تعالى:{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه ...} [ الانشقاق: 6 ،7] الآيات .
قوله تعالى:{وبشر المؤمنين} أي أخبرهم بما يسرهم ؛و «المؤمن » هنا يتضمن المسلم ؛وعلى هذا فلا بد مع الإيمان من عمل صالح .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن النساء حرث للرجال ؛بمعنى موضع زراعة .
2 - ومنها: أن الرجل حرٌّ في الحرث: إن شاء فعل ؛وإن شاء لم يفعل ؛لكن عليه أن يعاشر زوجته بالمعروف في كل ما يعاملها به ؛لقوله تعالى:{وعاشروهن بالمعروف} [ النساء: 19] ،وقوله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [ البقرة: 228] .
3 - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يحاول كثرة النسل ؛لقوله تعالى:{حرث لكم}؛وإذا كانت حرثاً فهل الإنسان عندما يحرث أرضاً يقلل من الزرع ،أو يكثر من الزرع ؟
فالجواب: الإنسان عندما يحرث أرضاً يكثر من الزرع ؛ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود »{[386]} ؛وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا ؛لأنهم إذا كثروا أرعبوهم ،واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض ،وشغَّلوا التجارة ،وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد ،وغير ذلك من المصالح ؛فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة ،وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء ؛ثم هل الأمر بيد الإنسان في بقاء النسل الذي حدده ؟!فقد يموت هؤلاء المحدَّدون ؛فلا يبقى للإنسان نسل .
4 - ومن فوائد الآية: جواز إتيان المرأة في محل الحرث من أيّ جهة ؛قوله تعالى:{فأتوا حرثكم أنى شئتم} .
5 - ومنها: مشروعية أن ينوي الإنسان بجماعه الولد ؛لقوله تعالى:{فأتوا حرثكم}؛فجعل الإتيان للحرث ؛فكأنه أشار إلى أنه ينبغي للإنسان أن يأتي المرأة من أجل طلب الولد ؛وقد ذكروا عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه ما جامع إلا بقصد الولد ؛وعلى كل حال الناس مختلفون في هذا ؛ولا مانع من أن الإنسان يريد بذلك الولد ،ويريد بذلك قضاء الوطر .
6 - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه المرأة التي أضيفت له ،وسميت حرثاً له كما يحافظ على حرث أرضه .
7 - ومنها: أنه يشرع للمرء أن يقدم لنفسه عند الجماع ؛لقوله تعالى:{وقدموا لأنفسكم}؛وسبق معنى قوله تعالى:{وقدموا لأنفسكم} .
8 - ومنها: وجوب تقوى الله ؛لقوله تعالى:{واتقوا الله} .
9 - ومنها: وجوب معاملة الأهل حسب ما شرع الله ؛لأن ذلك من تقوى الله ؛ولقوله تعالى:{من حيث أمركم الله} .
10 - ومنها: إثبات البعث ؛لقوله تعالى:{واعلموا أنكم ملاقوه} .
11 - ومنها: إثبات رؤية الله ؛لقوله تعالى:{ملاقوه}؛والملاقاة في الأصل المقابلة مع عدم الحاجب .
12 - ومنها: تهديد الإنسان من المخالفة ؛لأنه لما أمر بالتقوى قال تعالى:{واعلموا أنكم ملاقوه} .
13 - ومنها: أن من البلاغة إذا أخبرت إنساناً بأمر هام أن تقدم بين يدي الخبر ما يقتضي انتباهه ؛لقوله تعالى:{واعلموا}؛وهذا مما يزيد الإنسان انتباهاً وتحسباً لهذه الملاقاة .
14 - ومنها: أن المؤمنين ناجون عند ملاقاة الله ؛لقوله تعالى:{وبشر المؤمنين} .
15 - ومنها: أن البشارة للمؤمنين مطلقة ،حيث قال تعالى:{وبشر المؤمنين} .
16 - ومنها: أن البشارة للمؤمنين في الدنيا ،وفي الآخرة ؛ووجهه: عدم التقييد ؛وقد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى:{لهم البشرى في الحياة وفي الآخرة} [ يونس: 64]؛وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: «الرؤيا الصالحة يراها المسلم ،أو ترى له »{[387]} .
17 - ومنها: تحذير غير المؤمنين من هذه الملاقاة ؛لقوله تعالى:{وبشر المؤمنين}؛فدل ذلك على أن غير المؤمنين لا بشرى لهم .
18 - ومنها: فضيلة الإيمان ؛لأن الله علق البشارة عليه ؛فقال تعالى:{وبشر المؤمنين} .