الآية الثانية إشارة لطيفة إلى الغاية النهائيّة من العمليّة الجنسيّة فتقول ( نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم )
في هذه الآية الكريمة شبّهت النساء بالمزرعة ،وقد يثقل هذا التشبيه على بعض ،ويتساءل لماذا شبّه الله نصف النوع البشري بهذا الشكل ؟
ولو أمعنا النظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني .فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة ،بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري .
«الحرث » مصدر يدلّ على عمل الزراعة ،وقد يدلّ على مكان الزراعة «المزرعة » و «أنّى » من أسماء الشرط ،وتكون غالباً زمانية .وقد تكون مكانية كما جاء في قوله سبحانه: ( يا مريمُ أنّى لِكِ هذا قالت هو من عند الله ){[336]} .
يستفاد من الآية الكريمةعلى افتراض زمانية أنّىالرخصة في زمان الجماع ،أي جوازه في كلّ ساعات الليل والنهار ،وعلى افتراض مكانية أنّى يستفاد من الآية الرخصة في مكان الجماع ومحلّه وكيفيته .
( وقدّموا لأنفسكم )
هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الإستمتاع باللذة الجنسية ،فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين ،وأن يقدّموا هذه الخدمة التربوية المقدّسة ذخيرة لاُخراهم .وبذلك يؤكّد القرآن على رعاية الدقّة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الاجتماعية الإنسانية الكبرى .
وفي حديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال:
«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ عن ثلاث: صدقة جارية ،وعلم ينتفع به ،وولد صالح يدعو له »{[337]} .
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال .: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وسنّة هدىً سنّها فهي تُعمل بها بعد موته وولد صالح يستغفر له »{[338]} .
ووردت بهذ المضمون روايات عديدة أيضاً ،وقد جاء في بعضها ستّة موارد أوّلها الولد الصالح{[339]} .
وعلى هذا الأساس يأتي الولد الصالح من حيث الأهميّة إلى جانب الخدمات العلميّة وتأليف الكتب المفيدة وتأسيس المراكز الخيريّة كالمسجد والمستشفى والمكتبة وأمثال ذلك .
وفي ختام هذه الآية تأمر بالتقوى وتقول: ( واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين ) .
لمّا كانت المقاربة الجنسيّة تعتبر من المسائل المهمّة ومن أشد الغرائز إلحاحاً على الإنسان ،فإنّ الله تعالى يدعو في هذه الآية الإنسان إلى الدقّة في أمر ممارسة هذه الغريزة والحذر من الانحراف ،وتُنذر الجميع بأنّهم ملاقوا ربّهم وليس لهم طريق للنّجاة سوى الإيمان والتقوى .
بحوث
1الحكم الإسلامي العادل في مسألة الحيض
هناك الاعتقادات مختلفة في الأقوام السّالفة حول العادة الشهريّة للنّساء ،فاليهود يُشدّدون أمرها ويعزلون المرأة في هذه الأيّام كليّاً عن كلّ شيء: عن الأكل والشرب عن المجالسة والمؤاكلة والمضاجعة ،وقد وردت في التوراة الحاليّة أوامر متشدّدة في هذا الصّدد{[340]} .
وعلى العكس من ذلك النّصارى حيث لا يلتزمون بأيّة محدوديّة في هذه الأيّام ،فلا فرق بين حالة الحيض والطّهر لدى المرأة .المشركون العرب ليس لديهم حكماً خاصّاً في هذا المجال ،ولكنّ أهالي المدينة كانوا متأثّرين بآداب اليهود وعقائدهم في معاشرتهم للنّساء أيّام الحيض فكانوا يتشدّدون مع المرأة في هذه الأيّام ،في حين أنّ سائر العرب لم يكونوا كذلك ،بل قد تكون المقاربة الجنسيّة محببّة لديهم فيها ،ويعتقدون أنّه لو حصل من تلك المقاربة ولد فإنّه سوف يكون فتّاكاً ومتعطّشاً للدّماء ،وهذه من الصّفات المتميّزة والمطلوبة لدى أعراب البادية{[341]} .
2اقتران الطهارة بالتوبة
إنّ اقتران الطهارة والتوبة في الآيات أعلاه يُمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الطّهارة تتعلّق بالطّهارة الظاهريّة والتوبة إشارة إلى الطّهارة الباطنيّة .
ويحتمل أيضاً أنّ الطهارة هنا عدم التلوّث بالذنب ،يعني أنّ الله تعالى يحب من لم يتلوّث بالذنب ،وكذلك يحب من تاب بعد تلوّثه .
ويمكن أن تشير مسألة التوبة هنا إلى أنّ بعض الناس يصعب عليهم السيطرة على الغريزة الجنسيّة فيتلوّثون بالذّنب والإثم خلافاً لما أمر الله تعالى ،ثمّ يعتريهم النّدم على عملهم ويتألمون من ذلك ،فالله سبحانه وتعالى فتح لهم طريق التوبة كيلا يصيبهم اليأس من رحمة الله{[342]} .