{مآ أصاب من مصيبة في الأَرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ إن ذلك على الله يسير} يعني جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل .والمصيبة في الأرض كالجدب ،وقلة الأمطار ،وغور المياه وصعوبة منالها ،وربما يقال أيضاً الفتن والحروب وغيرها{ولا في أنفسكم} أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض ،أو فقد حبيب ،أو فقد مال ،أو نحو ذلك ،حتى الشوكة يشاكها{إلا في كتاب} ،هذا الكتاب هو اللوح المحفوظ ،كتب الله فيه مقادير كل شيء ،لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب قال: ربي وماذا أكتب ؟قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ،فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.سبحان الله ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة ،ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله - عز وجل - ،لأن أمر الله تعالى إذا أراد شيئاً ،يقول له: كن .فيكون ،ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولكن لا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء ،فقد ظهر الآن من صنع الآدمي قطعة صغيرة يسجل فيها آلاف الكلمات وهي عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات ،وقد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة ،أو جميع التفاسير ،أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي ،فكيف بصنع من يقول للشيء كن فيكون ،ولما قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة .كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ،فالمصائب التي تصيب الناس هي في أمر سابق ،ولهذا قال:{إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ} ،وقوله:{نبرأهآ} قيل: إنها تعود على المصيبة ،وقيل: على الأرض ،وقيل: على النفس ،وقيل: على الجميع ،والصحيح أنها على الجميع ،أي من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء ،أي: أن نخلقها ،وذلك لأن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ،{إن ذلك على الله يسير} يعني إن كتابة هذه المصائب يسير على الله - عز وجل - لأنه قال للقلم اكتب فكتب وهذا يسير ،كلمة واحدة حصل بها كل شيء{إن ذلك على الله يسير} ،كل شيء فهو يسير على الله ،لأن الأمر كلمة واحدة كن فيكون ،أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكلمة واحدة ،قال الله عز وجل:{إن كانت إلا صيحةً واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} وقال - عز وجل -:{فإنما هي زجرة واحدة} أي: على وجه الأرض خرجوا من القبور ،هذا يسير ،ولما قال زكريا لله - عز وجل - حين بشره بالولد قال:{قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعآئك رب شقياً} يعني من الكبر{وقد بلغت من الكبر عتياً} قال الله - عز وجل -:{كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} فالله - عز وجل - لا يعجزه شيء ،ولا يستعصي عنه شيء ،ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء ،