ما أصاب من مصيبة إلاّ في كتاب
للحياة نظامها المتوازن الخاص في حركة النظام الكوني وفي واقع الإنسان ،على مستوى الفرد والجماعة ،فلكلّ ظاهرة سببها ،ولكل موجودٍ قانونه الخاص ،ما يجعل من حركة الأحداث في حياة الأفراد والجماعات حالةً محسوبةً في كل أوضاعها من حيث ظروفها المحيطة بها ،ومن حيث الإرادة التي تديرها .وإذا كان الأمر كذلك ،فلا بد من أن يحمل الإنسان في وعيه الفكرة التي توحي بخضوع كل أوضاعه وأفعاله للتقدير الإلهي الذي يقدر لكل شيء حركة وجوده في علاقة المسببات بأسبابها ،فليست هناك حالة طارئة ،وليست هناك صدفة في أوضاع الحياة ،وهذا ما تؤكده هذه الآية .
{مآب أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} من أحداث الحياة التي تثير الآلام وتحرّك الأحزان وتربك المشاعر ،مما يصيب الإنسان في نفسه وأهله وماله{إِلاَّ فِي كِتَابٍ} في ما يكتبه الله في اللوح المحفوظ أو نحوه مما يسجل فيه أحداث الوجود ،أو في ما يقدره الله في علمه الغيبي المنفتح على الأشياء قبل وجودها ،لأنه هو الذي يمنحها الوجود ،فيحيط بها في كل أسرارها وأوضاعها ،فتكون كلمة الكتاب كناية عن العلم الإلهي ،{مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} أي نخلقها في تقديره لكل حدود وجودها .
{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} في ما ينظّم به الحياة في تقديره الذي لا تتخلف فيه إرادته عن المراد ،من خلال قدرته المطلقة التي لا يعجزها أي شيءٍ ،{لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتاكُمْ} فلا تعيشوا السقوط تحت وطأة الحزن المدمر ،أو البطر تحت تأثير الفرح الطاغي ،عندما تحدث الخسارة أو عندما يأتي الربح انطلاقاً من صدمة المفاجأة التي تثير ذلك هنا وهناك ،بل لا بد من مواجهة الأمر على أساس أن الحديث السلبي أو الإيجابي حالة طبيعية في نظام الوجود ،لأن الخسارة تخضع لأسبابها الاختيارية أو الاضطرارية ،كما أن الربح يخضع لذلك ،فلا مجال لأيّ شيءٍ طارئ في ذلك ،ولا مفاجآت في عمق الأمور ،فإذا تمت للحدث أسبابه ،فلا بد من أن يحدث ،من خلال الحتمية الكونية للأشياء ،في ما قدر الله لها ،تماماً كما هي الأشياء الكونية في نظام الطبيعة الخاضع للتقدير الإلهي في التكوين .