يقول تعالى ذكره:ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) بالأوصاب والأوجاع والأسقام، (إِلا فِي كِتَابٍ ) يعني:إلا في أمّ الكتاب، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول:من قبل أن نبرأ الأنفس، يعني:من قبل أن نخلقها، يقال:قد برأ الله هذا الشيء، بمعنى:خلقه فهو بارئه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا )، قال:هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ )، أما مصيبة الأرض:فالسنون. وأما في أنفسكم:فهذه الأمراض والأوصاب، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ):من قبل أن نخلقها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ ) قال:هي السنون، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ ) قال:الأوجاع والأمراض. قال:وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خَدْش عود، ولا نَكْبة قدم، ولا خَلجَانُ عِرْقٍ إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر.
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن، قال:كنت جالسا مع الحسن، فقال رجل:سله عن قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا )، فسألته عنها، فقال:سبحان الله، ومن يشكّ في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة.
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول:هو شيء قد فرغ منه، (من قبل أن نبرأها):من قبل أن نبرأ الأنفس.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه (فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) قال:من قبل أن نخلقها، قال:المصائب والرزق والأشياء كلها مما تحبّ وتكره فرغ الله من ذلك كله، قبل أن يبرأ النفوس ويخلقها.
وقال آخرون:عُنِي بذلك:ما أصاب من مصيبة في دين ولا دنيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال:ثنا أبو صالح، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) يقول:في الدين والدنيا(إلا في كتاب):من قبل أن نخلقها.
واختلف أهل العربية في معنى في التي بعد قوله "إلا "، فقال بعض نحويي البصرة:يريد والله أعلم بذلك:إلا هي في كتاب، فجاز فيه الإضمار. قال، ويقول:عندي هذا ليس إلا يريد إلا هو. وقال غيره منهم، قوله:(فِي كِتَابٍ ):من صلة ما أصاب، وليس إضمار هو بشيء، وقال:ليس قوله عندي هذا ليس إلا مثله، لأن إلا تكفي من الفعل، كأنه قال:ليس غيره.
وقوله:(إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) يقول تعالى ذكره:إن خلق النفوس، وإحصاء ما هي لاقية من المصائب على الله سهل يسير.