تمنى: تمنى الشيء أراده: وحدث نفسه بما يكون وما لا يكون .وتمنى: سأل ربه: وفي الحديث: إذا تمنى أحدكم فليستكثر .وتمنى الكتابَ: قرأه .
ينسخ: يبطل .
يحكِم: يجعلها محكمة مثبتة .
إن أغلى أُمنية لأي رسولٍ أو نبيّ هي أن يعرف الناسُ حقيقةَ رسالته ويفهموها ويدركوا أهدافها ليهتدوا بها ،فلا تحزنْ أيها الرسول من محاولاتِ هؤلاء الكفارِ أربابِ الأطماع ،فقد جرت الحوادثُ من قبلك مع كلِّ رسولٍ ونبيّ من أنبيائنا أنه كلما قرأ عليهم شيئاً يدعوهم به إلى الحقّ تصدّى له شياطينُ الإنس المتمردون لإبطال دعوته وتشكيك الناس فيما يتلوه .وذلك لكي يَحولوا دون تحقيق أُمنيته في إجابة دعوته ،فينسخُ الله ما يدبّرون ،ثم يثّبت شريعته وينصر رسله ،ويجعل آياتهِ محكَمةً لا تقبل الردّ .إنه عليم بأحوال الناس ومكايدهم ،حكيم في أفعاله يضع كل شيء في موضعه .
وجاء في كثير من التفاسير روايةٌ منسوبة إلى ابن عباس ،أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا على قريش سورةَ النجم ،ولما بلغ قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} ألقى الشيطانُ في تلاوة الرسول: « تِلك الغرانيقُ العُلى ،وإنّ شفاعتَهن لتُرتَجى» .فلمّا سمعتْ قريش ذلك فرِحوا به .ولما سجد الرسول سجد المسلمون والمشركون جميعا بسجوده ....فنزلت هذه الآية والآياتُ الثلاث التي بعدها .
وهذه الرواية مكذوبة لا أصل لها ولم تردْ في كتاب من الكتب الموثوقة ،وليس لها سند صحيح .بل إنها من وضع الكذّابين المشككين في الدين .
وقد كذّبها العلماء ...قال القاضي عياض في الشفاء: إن هذا لم يُخرجه أحد من أهل الصحيح ،ولا رواه ثقةٌ بسندٍ سليم متصل .وقال أبو بكر البزّار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل .وقال الفخر الرازي في تفسيره: هذه الرواية باطلة موضوعة عند أهل التحقيق .وقال الإمام أبو بكر البَيْهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل .
وهذه السورة مدنية فكيف نوفق بينها وبين سورة النجم وهي مكية ومن أوائل ما نزل بمكة !ولا أعتقد بصحة ما يقوله بعض المفسرين أن هذه الآيات 52 ،53 ،54 ،55 من سورة الحج مكية ،فإنهم قالوا إنها مكية حتى توافقَ هذه الروايةَ الباطلة .