بعد أن بين سبحانه الأساس الذي تقوم عليه الحياةُ الإسلامية من أداء الأمانات والحكم بالعدل ،جاء في هذا الآية الكريمة بالنظام الأساسي الذي تتطلبه الحياة العادلة ،وقاعدة الحكم ،ومصدر السلطة .وكلّها تبدأ وتنتهي عند التلقّي من الله وحده ،والرجوعِ إليه في كتابه ،ثم إلى سُنة رسوله ،ثم عدالة أولي الأمر من المسلمين ،فالآية صريحة في توضيح مصادر التشريع الإسلامي ..فعندما نضع قانوناً أو نريد أن نحكم في قضية ،علنيا أن نرجع إلى القرآن الكريم ،فإذا لم نجد رجعنا إلى سُنة رسوله ،فإذا لم نعثر على طلبنا هناك سألْنا أوُلي الأمر أن يجتهدوا رأيهم .وهذا الاجتهاد بابُه مفتوح دائما لم يُغلق ،وما على أهل العلم والرأي إلا أن يجدّوا ويجتهدوا في تحصيل الوسائل التي يكونون بها أهلاً للاجتهاد .
«ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعَلِمَه الّذين يستبطونه منهم » وهذا صريح جداً في موضوع الاجتهاد .
وهذا حديثُ مُعاذ بن جَبل حين ولاّه رسول الله قاضياً على اليمن أوضحُ دليل ،فإنه قال له: «بمَ تقتضي إذا عرض لك قضاء ؟قال: بكتاب الله ؟قال: فإن لم تجدْ ؟قال: بسنّة رسول الله .قال: فإن لم تجد ؟قال: أَجتهد رأيي » ،فأقرّه الرسول على ذلك .
{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ}
أطيعوا الله واعملوا بكتابه ،وأطيعوا الرسول لأنه يبيّن لكم ما نُزِّل إليكم ،وأطيعوا أولي الأمر منكم وهم من ولّيتموهم أنتُم أموركم ،والعلماء ورؤساء الجند و سائر من يرجع إليهم الناس في الحاجات عن ثقة فيهم ..فإن تنازعتم في شيء فيما بينكم فاعِرضوه على كتاب الله ،ثم على سنة رسول الله لتعلموا حكمه .فإذا لم يوجد نص على الحكم في الكتاب ولا في السنة ينظُر أولوا الأمر فيه ،لأنهم هم الذين يوثَق بهم .فإن اتفقوا وأجمعوا وجَبَ العمل بما أجمعوا عليه .
{إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر}
هذا مقتضى إيمانكم بالله واليوم الآخر ،وهو خير لكم ،لأنكم تهتدون إلى العدل فيما اختلفتم فيه ،وأحسنُ عاقبةً ،لأنه يمنع الخلاف المؤدي إلى التنازع والضلال .
والأحاديث الواردة في الحض على طاعة أولي الأمر كثيرة جداً ،ففي الصحيحين عن ابن عمر: «السمع والطاعة إلى المرء المسلم ،فما أحبَ أو كره مالم يُؤمر بمعصية ،فإذا أُمرنا بمعصية فلا سمع ولا طاعة » .
وفي صحيح مسلم عن أم الحُصَين أنها سمعت الرسول الكريم يخطب في حجة الوداع يقول: «ولو استُعمل عليكم عبدٌ يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا » ،أما الذي يَستعمل ذلك العبدَ ،فهو الرسول أو الخليفة الذي يُجمع عليه المسلمون .فالأصل هم المسلمون لا القوة ،ولا جيوشٌ لقاءَ أجْر ،ولا تسلسلٌ في مُلك عضود أساسُه التوارث .