بعد أن أمر الله رسوله بفضح المنافقين وإذلالهم بمنعهم من الجهاد ،أمره أن لا يصلّي على من مات منهم ،ولا يوليهم أيَّ تكريم ،فهم لا يستحقونه أبدا .
{وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} .
لا تُصَلِّ أيها الرسولُ بعد الآن في جنازة أحدٍ من هؤلاء المنافقين ،ولا تتولّ دفنه ،ولا تقُمْ عليه كما تفعل على قبور المؤمنين .وكان الرسول إذا فرغ من دفن الميت وقف على قبره وقال: ( استغفِروا لأخيكم وسلوا له التثبُّت فإنّه الآن يُسأل ) .رواه أبو داود والحكم عن عثمان رضي الله عنه .
{إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} .
لأنهم كفروا وماتوا وهم خارجون من حظيرة الإسلام .
روى أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال: ( سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد الله بن أُبّي ،دُعي رسول الله للصلاة عليه ،فقام عليه ،فلما وقف قلت: أَتصلي على عدوّ الله ،عبدِ الله بن أبّي القائل كذا وكذا ؟ورسولُ الله يبتسم .حتى إذا أكثرتُ قال: يا عمر ،أخِّر عني .إنّي قد خُيرت: قد قيل لي: استغفر لهم ...الآية ،فلو أعلم أني زدتُ على السبعين غُفر له لزدتُ عليها ) .ثم صلى عليه ومشى معه حتى قام على قبره إلى أن فرغ منه .فعجبتُ لي ولجرأتي على رسول الله ،فوا اللهِ ما كان إلا يسيراً حتى نزلتْ هاتان الآيتان: ( ولا تصلِّ على أحدٍ منهم ماتَ أبدا ..) فما صلى رسول الله على منافق بعده ) .
وقد أنكر بعضُ العلماء هذا الحديث ،وقالوا إنه مخالف للآية ،وقد روي عن طريق ابن عمر وجابر بن عبد الله ،ولا أرى في هذا الحديث ما يخالف الآية إذا كان الحديث من أسباب النزول .والحديث صحيح لا مجال للطعن فيه ،والنبي إنما صلى عليه من أجل ولدِه المؤمن الصحابيّ الجليل ،وكان هذا طلبَ من الرسول الكريم أن يصلّي على والده وقال له: يا رسول الله ،إنك إن لم تأتِه نُعَيَّر به .