/م84
قال عز وجل:
{ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} أي لا تصل أيها الرسول بعد الآن على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين عرفناك شأنهم صلاة الجنازة أبداً ما حييت ، ولا تقف على قبره عند الدفن للدعاء له بالتثبيت ، كما تقوم على قبور المؤمنين عند دفنهم ، ويلزم هذا النهي عدم تشييع جنائزهم .
روى أبو داود والحاكم وصححه والبزار من حديث عثمان رضي الله عنه قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ){[1620]} ، وقد نص الفقهاء على العمل بهذا الحديث ، ولا نعرف شيئا من السنة في معنى القيام على القبر غيره ، فانتظار الدفن أعم منه ، وأدخل فيه بعضهم زيارة القبور وهو غير ظاهر ، فقد ورد في زيارة القبور أحاديث متعددة بلفظ الزيارة لا بلفظ القيام .
وقد علل تعالى هذا النهي ببيان مستأنف فقال:{ إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} ، أي إنهم كفروا وماتوا وهم فاسقون ، أي وهم في حال خروجهم السابق من حظيرة الإيمان ، كما تقدم في تفسير مثله من هذا السياق[ والجملة الحالية تدل على وقوع مضمونها قبل حدوث العامل فيها] ، والنهي يتعلق بالحال والاستقبال ، ولا سيما إذا أكد بكلمة أبدا التي هي نص في معنى الاستقبال ، ولكن قال في تعليل النهي:( وماتوا ) وهو فعل ماض ، والقاعدة في التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي أن يكون لتأكيده وتحققه حتى كأنه وقع بالفعل ، أي وسيموتون وهم متلبسون بكفرهم ، ولعل فيه إشارة إلى ما روي في سبب نزول الآية وهو صلاته صلوات الله عليه على عبد الله بن أبيّ ، فيكون المعنى ومات من مات منهم على كفره ، وسيموت الآخرون كذلك .وفيه بحث نبينه بعد إجمال الكلام على قوله:{ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}
/خ85