/م81 ثم بين تعالى ما يجب من الجزاء الذي يعاملون به في الدنيا قبل الآخرة مما يقتضي انقضاء عهد فرحهم وغبطتهم في دنياهم بالتمتع بأحكام الإسلام الصورية والمعنوية فقال:{ فإن رجعك الله إلى طائفة منهم}
فعل «رجع » يستعمل لازما كقوله تعالى:{ فرجع موسى إلى قومه} [ طه:86] وقوله:{ فلما رجعوا إلى أبيهم} [ يوسف:63] ومصدره الرجوع ، ويستعمل متعدياً كهذه الآية وقوله:{ فرجعناك إلى أمك} [ طه:40] ومصدره الرجع .والفاء للتفريع على ما قبله لأنه مرتب عليه .والمعنى فإن ردك الله أيها الرسول من سفرك هذا إلى طائفة منهم أي المخلفين من المنافقين ، وما كل من تخلف كان منافقاً .
{ فاستأذنوك للخروج} معك في غزاة أو غير غزاة مما تخرج لأجله .
{ فقل لن تخرجوا معي أبدا} أي لن يكون لكم شرف صحبة الإيمان بالخروج معي إلى الجهاد في سبيل الله ، ولا إلى غيره كالنسك أبدا ما بقيت .
{ ولن تقاتلوا معي عدوا} من الأعداء بصفة ما ، لا بالخروج والسفر إليهم ، ولا بغير ذلك كأن يهاجموا المؤمنين في عاصمتهم ، كما فعلوا يوم الأحزاب مثلا ، فكل من الخروج المطلق الذي حذف متعلقه ، والقتال الذي ذكر متعلقة نكرة منفية عام ، فيصدقان بكل خروج وكل قتال لعدو في أي مكان ، وقد يكون كل منهما بدون الآخر ، فبينهما عموم وخصوص مطلق ، وقد غفل عن هذا من غفل من المفسرين فزعموا أن الثاني تأكيد للأول ، ثم بين سبب هذا الحرمان من شرف الجهاد فقال:
{ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة} أي إنكم رضيتم لأنفسكم بخزي القعود أول مرة دعيتم فيها إلى الخروج ، واستنفرتم فلم تنفروا عصياناً لله ورسوله .
{ فاقعدوا مع الخالفين} ما حييتم أبدا ، أي مع الذين تخلفوا عن النفر ، أو مع الأشرار الفاسدين ، الذين خرجوا عن سبيل المهتدين .قال في مجاز الأساس:وخلف اللبن:تغير ، ومعناه خلف طيبه تغيره - أي صار المتغير الفاسد خلفاً للطيب- ، وخلف فوه خلوفاً ، وخلف عن خلق أبيه ، وخلف عن كل خير:تحول وفسد ، وهو خالفة أهل بيته ، أي فاسدهم وشرهم اه .
والخالف في الأصل اسم لمن يخلف غيره أي يأتي بعده ، ومثله الخلف بالتحريك وبفتح فسكون ، وقد استعمل الأول فيمن يخلف غيره في الخير والصلاح ، والثاني فيمن يخلف غيره في الشر والطلاح .قال في اللسان:فأما الخالفة فهو الذي لا غناء عنده ولا خير فيه ، وكذلك الخالف .وقيل:هو الكثير الخلاف ، ثم قال نقلا عن ابن الأثير:وقد يكون الخالف المتخلف عن القوم في الغزو وغيره كقوله تعالى:{ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [ التوبة:87] اه .
ويراد بالخوالف الصبيان والعجزة والنساء ، الذين لا يكلفون القيام بشرف الجهاد ، للدفاع عن الحق والحقيقة وإعلاء كلمة الله .
ويجوز الجمع بين المعنيين الحقيقي والمجازي وهو مذهب الشافعي والطبري الذي جرينا عليه في مثل هذا .
والمرة في قوله تعالى:{ أول مرة} قد استعملت في كلامهم ظرفاً وأصلها الفعلة الواحدة من المر والمرور .قال في القاموس:المرة الفعلة الواحدة جمعها مر ومِرار ومِرر بكسرهما ومرور بالضم .«ولقيه ذات مرة » قال سيبويه:لا يستعمل إلا ظرفاً ، و«ذات المرارة » أي مراراً كثيرة .اه المراد منه .