{ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاواتِ ولاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 18} [ 18] .
في الآية تنديد بالمشركين لعبادتهم غير الله الذين لا يقدرون على ضرهم ونفعهم ،وحكاية لاعتذارهم بالقول: إنما يتخذونهم شفعاء لدى الله ،وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤالهم سؤالاّ فيه تحدّ وسخرية عما إذا كانوا بذلك يخبرون الله تعالى بشيء في السماوات والأرض لا يعلمه الله ،ثم انتهت بتنزيه الله عما يشركه المشركون معه .
والضمير في الآية عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم ومواقفهم ومطالبهم على ما هو المتبادر ،وهي والحالة هذه متصلة بها ولعل التنديد الذي انطوى فيها متصل بما كانوا يطلبونه من النبي صلى الله عليه وسلم من الإتيان بقرآن لا يتعرض لشركائهم ولا يسفه عقولهم ،فشركاؤهم لا يضرونهم ولا ينفعونهم وإشراكهم مع الله تعالى في العبادة والدعاء هو سخف يستحق كل التنديد .
مدى عقيدة الشرك عند العرب
ومدى عقيدة التوحيد الإسلامية
وفي الآية صورة واضحة صريحة لمدى عقيدة الشرك العربية ،وهي أنهم كانوا يعترفون بالله ويؤمنون بأنه الخالق الرازق المدبر في كل شيء ،القادر على كل شيء ،ويعتبرون الشركاء الذين كانوا يشركونهم معه في الدعاء والعبادة شفعاء ووسائل زلفى لديه .
ومعظم الآيات التي نددت بعقائد العرب تضمنت هذه الصورة أيضا بوجه عام ،وقد مرّت أمثلة عديدة من ذلك بحيث يمكن أن يقال إن هذه العقيدة كانت هي العامة عندهم .
والرد الذي ردت به الآية هنا وفي المناسبات الأخرى انطوى على تسفيه عبادة غير الله والاتجاه إلى غير الله ولو بقصد الاستشفاع والتوسط ،وعلى تقرير كون ذلك شركا ،وفي هذا تلقين مستمر المدى في صدد عقيدة التوحيد الإسلامية التي لا تتحمل أي ملابسة أو تأويل أو شائبة مهما أُريد تهوينها وتخفيفها ومعها كانت صفة الشفعاء وماهياتهم بحيث يصحّ أن يقال: إنها أنقى من أي ديانة أخرى .