{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 18 وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 19}
المفردات:
أتنبئون الله بما لا يعلم في
السماوات ولا في الأرض: أي: أتخبرون الله بشفعاء لا يعلمهم في السماوات ولا في الأرض ،والمراد: نفي وجودهم إذ لو وجدوا لعلمهم الله سبحانه .
التفسير:
18{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ...} الآية .
هذه قصة أخرى من قصص هؤلاء المشركين ،الذين عبدوا اللات والعزى ومناة ،وزعموا أن هذه الأصنام تشفع لهم في الدنيا ،بالنعيم والسعادة والغنى والعافية ،وتشفع لهم في الآخرة ،بدخول الجنة .
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كان النضر بن الحارث يقول: إذا كان يوم القيامة ؛شفعت لي اللات والعزى ؛فنزلت هذه الآية:
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} .أي: إن من شأن الإله المعبود أن ينفع صاحبه الذي يعبده ويستجيب دعاءه ،ويدفع عنه المكروه والضر ،لكن هذه الأصنام التي يعبدونها لا تضرهم إن لم يعبدوها ،ولا تنفعهم إن عبدوها ؛لأنها صماء لا تسمع ولا تعقل ولا تحس ولا تجيب ،وهي غافلة عن عبادتهم .
{وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} .
إذا توجه القول إلى الكفار: بأن هذه الأصنام لا تسمع ولا تجيب ولا تنفع ولا تضر ؛قالوا:{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} .( الزمر: 3 ) ؛فهم شفعاؤنا عند الله ،أي: نتوسل بهم إلى الله ؛لإصلاح معاشنا في الدنيا ،وإصلاح معادنا في الآخرة .
وحال هؤلاء المشركين إن دل على شيء ،فإنما يدل على فرط الحماقة والجهل ؛حيث تركوا عبادة الإله ،القادر الواحد الأحد ،النافع الضار ؛الفرد الصمد ،وتوجهوا بعبادتهم إلى ما لا يضر ولا ينفع .
{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} .
أي: قل أيها الرسول لهؤلاء الحمقى ؛إنكارا عليهم وتوبيخا لهم ،وسخرية منهم: أتخبرون الله تعالى بشيء لا وجود له أصلا في السماوات والأرض ،وهو أن الأصنام شفعاؤكم عند الله تعالى .
جاء في تفسير التحرير والتنوير ما يأتي:
ولما كان ذلك شيئا اخترعوه من عند أنفسهم ،وهو غير واقع ؛جعل اختراعه بمنزلة أنهم أعلموا الله به ،وكان لا يعلمه فصار ذلك كناية عن بطلانه ؛لأن ما لم يعلم الله وقوعه فهو منتف ،ومن هذا قول من يريد نفي شيء عن نفسه: ما علم الله هذا مني ،وفي ضده قولهم في تأكيد وقوع الشيء: يعلم الله كذا حتى صار عند العرب من صيغ اليمين . xi
{سبحانه وتعالى عما يشركون} .
وهي اعتراض تذييلي من جهته سبحانه وتعالى أي: تنزيها لله تعالى عن إشراكهم الذي بنوا عليه هذا القول الزائف ،وعن الشركاء الذين يشركونهم في العبادة معه تعالى .