{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [ 1]{22} وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم [ 2] مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24}} .
في الآيات:
1- هتاف بالناس إلى عبادة الله ربهم الذي هو وحده المستحق للعابدة اتقاء لغضبه واستحقاقا لرضائه .فهو الذي خلقهم وخلق من قبلهم ،وهو الذي جعل لهم الأرض مبسوطة ممهدة لتيسير الإقامة والحياة فيها .وبنى فوقها السماء وأنزل من السماء الماء فأخرج به لهم شتى أنواع الثمرات التي يقيمون بها أودهم وحياتهم .
2- ونهى لهم عن اتخاذ الأنداد والشركاء مع الله ،ولا سيما أنهم يعلمون أنه الإله الأعظم مما يقتضي تنزيهه عن ذلك .
3- وتحدّ لهم فيما إذا كانوا في ريب من صحة ما أنزله الله على نبيه وصدق صلته به بالإتيان بسورة من مثله وبالاستعانة على ذلك بمن يريدون من الشركاء والأنصار .
4- ودعوة لهم إلى اتقاء النار التي أعدها للكافرين والتي سيكون الناس والحجارة وقودها بالإيمان والتصديق إذا عجزوا عن استجابة هذا التحدي ؛لأن الحجة تكون قد لزمتهم مع التقرير بأنهم سيظلون عاجزين عن ذلك أبدا .
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآيات ،والمتبادر أنها جاءت بمثابة التعقيب على الآيات السابقة .فبعد أن ذكرت هذه الآيات الفرق الثلاث للناس إزاء الدعوة النبوية جاءت لتهتف بهم جميعا بأسلوب مطلق بالإيمان الإذعان .وتذكرهم بمشاهد قدرة الله في الكون وما فيه من منافع عظيمة ميسرة لهم واستحقاقه وحده للعبادة ،وتنذر الذين يصرون على الجحود والعناد .
ولقد ذكر خلق السموات والأرض ،وبناء السماء وبسط الأرض وجعلها فراشا مراراً في الآيات المكية ،وعلقنا على ذلك بما يغني عن التكرار ،وواضح أن هدفها هنا كما في الآيات المماثلة لفت نظر السامعين إلى مشاهدة قدرة الله تعالى في السماء والأرض ،وما فيهما من منافع للناس .
ولقد روى بعض المفسرين عن ابن مسعود أن الحجارة التي ستكون من وقود النار الأخروية هي من الكبريت .وهذه الرواية لم ترد في كتب الصحاح والمشهد المذكور في الآية مشهد أخروي غيبي لا يؤخذ فيه إلا بما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأولى والحالة هذه الوقوف عند ما وقف عنده القرآن مع الإيمان به .
تعليق على تحدي الناس جميعا بالإتيان بشيء من مثل القرآن في أول العهد المدني
والتحدي بالإتيان بشيء من مثل القرآن قد تكرر في السور المكية ،وهذه مرة ثانية يقرر فيها عجز الناس عن ذلك حيث قررت ذلك آية سورة الإسراء [ 88] مع فارق واحد هو أن آية سورة الإسراء قررت عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن وآية البقرة التي نحن في صددها قررته عن الإتيان بسورة من مثله .
وتكرار التحدي بهذه القوة للناس جميعا في أوائل العهد المدني مع تقرير العجز بأسلوب التأييد ينطوي على أن هذا العجز استمر طيلة العهد المكي أولا ،ثم على معنى قوي بسبيل تلقين الشعور التام بالوثوق في صحة الرسالة النبوية وصلة القرآن بالوحي الرباني وصدوره عنه كما ينطوي على موقف القوة والاستعلاء للنبي صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر .
ولقد علقنا على موضوع هذا العجز ومدى الإعجاز القرآني الذي عجز عنه الناس في سياق تفسير آية الإسراء المذكورة ثم في سياق تفسير الآية [ 51] من سورة العنكبوت فنكتفي بهذا التنبيه دون الإعادة .
تعليق على زعم بعض المستشرقين بأن هذه الآيات وما بعدها إلى آخر الآية 39 مكية
وقد رأينا بعض المستشرقين يزعمون أن هذه الآيات إلى آخر الآية [ 39] مكية ؛لأن أسلوبها مشابه للأسلوب المكي .ولم نطلع على رواية ما قد تفيد هذا .وتشابه المضمون الذي قد يكون وارداً ليس كافيا لتصويب الزعم .ولا سيما أن معظم الناس في الجزيرة العربية وحول يثرب كانوا حين نزولها كفارا يتحملون الخطاب بهذا الأسلوب .وهذا فضلا عن معنى التعقيب الذي ذكرناه على الآيات السابقة وتحمله لهذا الأسلوب أيضا .وقد يكون القائلون استندوا إلى ما قاله بعض العلماء من أن كل جملة تبتدئ بيا أيها الناس تكون مكية .غير أن هذا القول اجتهادي شخصي غير متفق عليه .وقد استعمل هذا الخطاب في آيات مدنية لا خلاف في مدنيتها ولا تتحمل أي احتمال لذلك مثل مطلع سورة النساء .