( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ( 1 ) فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ( 2 ) فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ( 3 ) ( 3 ) ) .
( 1 )ألا تقسطوا: أن لا تعدلوا
( 2 )مثنى وثلاث ورباع: معدولة عن اثنتين اثنتين وثلاث ثلاث ،وأربع أربع
( 3 ) ذلك أدنى ألا تعولوا: فسر بعضهم ( ألا تعولوا ) بأن لا يكثر عيالكم وتفقروا .وفسرها بعضهم بأن ( هذا أحرى أن يمنعكم من الجور والجنف ) والكلمة لغويا تتحمل المعنيين .غير أن المقام يجعل المعنى الثاني هو الأوجه .وهو ما أخذناه به .
في الآية تنبيه للمسلمين على أنهم في حال احتمال خوفهم من عدم العدل مع البنات واليتيمات فلهم في غيرهن متسع فليتزوجوا بما يطيب لهم من غيرهن بواحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ،ثم تنبيه آخر في مقام الاستطراد على أنهم إذا خافوا من احتمال عدم العدل الواجب مع أكثر من زوجة واحدة فعليهم أن يكتفوا بواحدة أو بما في ملك يمينهم من الإماء فقط .فهذا هو أحرى أن يجنبهم إثم الجور والجنف .
تعليق على الآية
( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) الخ
وتمحيص مسألة تعدد الزوجات
لم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآية .ويتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآية السابقة لها التي تنهى عن أكل أموال اليتامى ،وهادفة إلى حماية البنات اليتيمات .أما بقية الآية فقد احتوت استطرادا متسقا مع مداها .
ولقد روى البخاري ومسلم عن عروة قال: ( سألت عائشة عن قول الله تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) فقالت: يا ابن أختي ،هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه جمالها ومالها ،فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ،فنهوا عن ذلك إلا أن يبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق ،وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ){[491]} .
وقد روى الطبري حديثا آخر عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة جاء فيه ( أن الآية الأولى نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل ،وهي ذات مال فلعله ينكحها لمالها ،وهي لا تعجبه ثم يضربها ويسيء صحبتها فنهوا عن ذلك ) وتبدو حكمة النهي في هذا الحديث أظهر مما هي في الحديث الأول كما هو واضح .فإن احتمال الخوف من الجور أحرى أن يكون من ناحية زواج الوصي على اليتيمة غير الجميلة طمعا في مالها فقط .والمتبادر أن هذه الحالة تكون في ذوي القربى ؛حيث تكون اليتيمة ذات المال في حجر أحد أقاربها ،فيضن بمالها أن يأخذه الغريب فيتزوجها أو يزوجها لابنه ،ولا يكون لها من جمالها عاصم فتتعرض للأذى .وهذا المعنى ذكر بصراحة أكثر في آية أخرى من هذه السورة وهي:
( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما 127 ) .
هذا في صدد الفقرة الأولى من الآية .وواضح من روحها أن الأمر الوارد في الفقرة الثانية أي ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) هو في حالة الخوف من عدم العدل والإنصاف في حالة التزوج باليتيمات .وأنه لا حرج من التزوج بهن في حالة انتفاء هذا الخوف .
والمتبادر أن الفقرة الثالثة التي جاءت بعدها أي ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) قد جاءت في مقام الاستدراك في حالة الخوف من عدم العدل بين الزوجات العديدات اللاتي جعلت الفقرة الثانية فيهن مندوحة عن عدم الإسقاط باليتيمات ،وفي الجملة الأخيرة من الفقرة تعليل لذلك ؛حيث يكون الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين من الإماء مانعا للجور وعدم العدل .
وهكذا تكون الآية قد هدفت إلى حماية اليتيمات ثم إلى منع الجور عن الزوجات في حالة التعدد .وهذا وذاك من روائع الأهداف القرآنية التي تكررت بأساليب متعددة مر بعضها في سياق أحكام الطلاق التي تضمنتها آيات البقرة ( 221 242 ) على ما شرحناه في مكانها وفي هذه السورة فصول أخرى من هذا الباب أيضا .
ومع أن صيغة الفقرة الثانية في إباحة تعدد الزوجات في عصمة الرجل ليست تشريعية في التحديد ،وإنما هي بسبيل المخرج من خوف عدم الإقساط في اليتيمات فإن معظم العلماء اعتبروها تحديدا لعدد الزوجات اللاتي يسوغ للرجل جمعهن في عصمته وهو أربع زوجات ؛حيث رووا أن الرجل كان قبلها ومنذ ما قبل الإسلام يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات ويصل العدد أحيانا إلى عشر .ومن ذلك أنه كان تحت النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزلت الآية عشر نساء .وهناك أحاديث نبوية ساعدت على هذا الاعتبار .منها حديث أخرجه الإمام أحمد جاء فيه ( إن غيلان ابن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعا ){[492]} وحديث رواه أبو داود عن عميرة الأسدي جاء فيه ( إني أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اختر منهن أربعا ){[493]} وحديث رواه الشافعي عن نوفل ابن معاوية الديلي جاء فيه ( أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر أربعا منهن أيهن شئت وفارق الأخرى ){[494]} ولقد قال الذين اعتبروا الآية تحديدا إن الله قد أحل للنبي أن يحتفظ بزوجاته اللاتي كن في عصمته زائدات عن الحد ،واستندوا في ذلك إلى آيات سورة الأحزاب ( 50 52 ) التي مر تفسيرها .
على أن هناك أقوالا ومذاهب مخالفة لذلك{[495]} حيث ذهب قائلوها إلى أن الفقرة ليست لأجل الحصر والتحديد وإنما هي للترغيب ؛لأجل تفادي ظلم اليتيمات وحسب ،وأن من السائغ أن يجمع الرجل في عصمته ما شاء أكثر من أربع .
وذهبت الشيعة والظاهرية التي تأخذ ألفاظ القرآن على ظاهرها على ما ذكره ابن كثير إلى جواز جمع تسع نساء ؛حيث اعتبروا كلمات مثنى وثلاث ورباع معدولة عن اثنين وثلاث وأربع ،وجمعوا هذه الأرقام فصار الجمع تسعا .وأورد المفسر القاسمي أقوالا مطولة للرازي والشوكاني في تبرير جمع أكثر من أربع ،وفي كون الفقرة لا تعني التحديد وفي إيراد أدلة على ضعف الأحاديث المروية عن غيلان وعميرة ونوفل وإبراز عللها ،وكون حديث الصحابي إذا صح لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته وفي أنه لم يقم دليل على كون جمع النبي لعشر نساء كان من قبيل الاختصاص .
غير أن العمل المتواتر بعدم جواز جمع أكثر من أربع في عصمة الرجل من لدن العهد النبوي والخلفاء الراشدين قد عده أهل المذاهب السنية وعلماء الحديث دليلا على ذلك ،وهو الحق الذي يجب الالتزام به والوقوف عنده .
أما القول: إنه لم يقم دليل على أن جمع النبي لعشر نساء هو من قبيل الاختصاص فهو غريب .ففي آية سورة الأحزاب ( 50 ) وبخاصة في جملة ( خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ) من هذه الآية دليل لا يدحض على ذلك فيما هو المتبادر وعلى ما شرحناه في سياق تفسير الآيات ( 50 52 ) من سورة الأحزاب .ومن العجيب أن يتجاهله القائلون .بل وفيها دليل على صحة مذهب جمهور أهل السنة في التحديد .
ولقد قلنا في مقدمة السورة: إن مضامين بعض فصولها تلهم أن بعضها نزل قبل فصول في سور متقدمة عليها في الترتيب .وآية النساء التي نحن في صددها من الأمثلة على ذلك يتبادر أنها نزلت قبل آيات سورة الأحزاب المذكورة التي نزلت للاستدراك بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم .
ولما كانت هذه الآية متصلة موضوعا وسياقا بما قبلها وما بعدها فقد يصح القول: إن الفصل كله قد نزل قبل آيات الأحزاب المذكورة التي هي فصل قائم بذاته .ولو أن رواة الترتيب جعلوا سورة الأحزاب بعد هذه السورة لكان ذلك معقولا بسبب تقدم هذا الفصل على آيات سورة الأحزاب المذكورة .ولو كان هناك قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل وقعتي الأحزاب وبني قريظة لكنا نرى مبررا لتقديم هذه السورة على سورة الأحزاب في الترتيب .
ويبدئ بعض الأغيار ويعيدون في أمر إباحة الإسلام لتعدد الزوجات ،والإنصاف يقتضي القول: إن هناك ظروفا يكون فيها التعدد مفيدا من دون ريب ،وإن هناك ظروفا يكون فيها مضرّا من دون ريب أيضا .فهناك احتمال بأن يكون الرجل أو المجتمع في حاجة إلى كثرة النسل لأسباب اقتصادية واجتماعية عامة وخاصة .
وهناك احتمال بأن تكون زوجة الرجل عاقرا أو مريضة لا يرى من الرأفة والإنصاف ما يسوغ له طلاقها .وهناك احتمال بتفوق عدد النساء في مجتمع ما على عدد الرجال وتعرض الزائدات للشقاء والعوز والسقوط .وهناك احتمال السفر والتغرب لمدة طويلة لأسباب متنوعة لا يكون في الإمكان اصطحاب الزوجة فيها ،ففي مثل ذلك يكون التعدد سائغا أو واجبا أو مرغوبا فيه .
أما عدا هذه الحالات فإن التعدد يسبب المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها جحيما .وهذا عدا الاحتمال الغالب بعدم العدل بين الزوجات العديدات سواء من ناحية المعاشرة أم من ناحية النفقة أم من ناحية تفضيل بعضهن على بعض الأسباب متنوعة نفسية واجتماعية واقتصادية مما يؤدي كذلك إلى المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها بدوره جحيما .
وتنبيه القرآن إلى ذلك في جملة ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) يتسق مع طبيعة الأشياء والوقائع .وفي هذه السورة آيات تذكر ما يمكن أن يقع من نشوز وإهمال من الرجال لبعض زوجاتهم العديدات ومن الميل الشديد لواحدة دون أخرى منهن ،وتقرر استحالة العدل بينهن وتوصي ببعض الحلول والمعالجات وهي الآيات ( 127 130 ) وهي إن كانت لا تمنع التعدد بالمرة بسبب تلك الضرورات الملزمة فيما هو المتبادر ،فإنها تلهم بوجوب الاكتفاء بواحدة في حالة عدم قيام تلك الضرورات على ما سوف يأتي شرحه بعد .
وهكذا تكون الحكمة التشريعية القرآنية قد توخت إباحة التعدد لمعالجة حالة قائمة وسائغة فيها غلو وإفراط ،ولتكون بعد ذلك مخرجا للحالات السابقة الذكر والتشديد على وجوب العدل والاقتصار على زوجة واحدة في الحالات الأخرى بحيث يمكن أن يقال: إن تلقين الاقتصار هو الأقوى وإن إباحة التعدد هو المخرج للحالات والضرورات الاستثنائية المتنوعة الدواعي .وفي هذا ما فيه من روعة وجلال .ولقد اقتضت حكمة الله ووعده أن يكون الدين الإسلامي والشرائع الإسلامية دين البشرية وشرائعها مما احتوت توكيده آيات عديدة .منها آية سورة الفتح هذه ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيد 28 ) فكان من ذلك أن احتوت الشرائع الإسلامية ما احتوته في هذا الصدد كما في غيره من حل مختلف المشاكل والانطباق على كل حالة وظرف .
ولعل فيما هو منتشر في الأمم والبلاد التي تجعلها شرائعها تقتصر على زوجة واحدة من الشذوذ والتحايل على هذه الشرائع ونقضها بمختلف الأشكال ،ومن جملة ذلك استباحة الأعراض المحرمة والسفاح والتخالل السري والعلني دليلا حاسما على حكمة التشريع الإسلامي{[496]} .
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام أنه ليس في الآية إيجاب للتعدد ،وإنما فيها تحديد لإباحة مطلقة كانت واقعة وسائغة .فضلا عما احتوته من توكيد بالعدل وإيجاب للاقتصار على واحدة إذا غلب احتمال الجور .
وهناك نقطة يتناولها الباحثون .وهي كيفية تنظيم التعدد .فبعضهم يرى إناطة الأمر بالقضاء الذي يكون عليه التثبت أولا من الحاجة والضرورة ،وثانيا من قدرة الرجل على الإنفاق والإقساط وعدم قصد المضارة .فإذا ثبت له ذلك أجاز الزواج الجديد وإلا منعه .وبعضهم يرى أن الآيات القرآنية قد جعلت تقدير ذلك منوطا بالرجل وحذرته وأنذرته بحيث يكون مخالفا لتلقينات القرآن إذا ما أقدم على التزوج من جديد دون أن يكون متيقنا من استطاعته على الإنفاق وعلى الإقساط والعدل .
ونحن إذ نذكر أن المسلمين كانوا يرفعون مشاكلهم في الحياة الزوجية من نكاح وطلاق ورضاع وحضانة وشقاق ومضارة الخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى خلفائه الراشدين من بعده فيقضون فيها في نطاق كتاب الله وسنة رسوله ساغ أن يقال: إن أولي الحل والعقد من المسلمين وأولياء أمورهم إذا رأوا أن يكلوا أمر التثبت من قدرة الرجل على التعدد وحاجته إليه إلى القضاء وإناطة ذلك به فيكون ذلك صحيحا .وليس في الكتاب والسنة ما يمنعه ،وقد أخذت بعض الحكومات الإسلامية تسير عليه{[497]} . على أن هناك أسلوبا آخر مستلهما من تلقينات القرآن قد يسد الثغرة أيضا .فالحالة إما أن تكون برضاء الزوجة القديمة وعلم من الزوجة الجديدة بكون الزوج متزوجا أو لا تكون القديمة راضية أو الجديدة عالمة .فإن كانت الأولى راضية والجديدة عالمة لا يكون إشكال .وكل ما في الأمر وجوب التزام الزوج العدل وعدم الميل الشديد حسب تلقينات كتاب الله وسنة رسوله .أما إذا لم تكن القديمة راضية ورأت في ما يريده زوجها أن يقدم عليه ضررا عليها وتحميلا لنفسه ما لا طاقة لها به فيكون الموقف موقف شقاق ويصبح لها الحق في رفع أمرها إلى الحاكم ليحل ذلك وفقا للآية ( 35 ) من هذه السورة وفي نطاق ما سوف نشرحه من مداها بعد .وهذا ما تستطيع المرأة الجديدة أن تفعله أيضا إذا لم تكن عالمة بزواجه وكان قد غرر بها .والله تعالى أعلم .
ولقد قال بعض المفسرين عزوا إلى بعض التابعين{[498]}: إن ( تعولوا ) في الآية من ( عال ) بمعنى صار فقيرا ،وإن معنى الجملة ( لئلا تفقروا من كثرة الأولاد والعيال ) ولقد وردت كلمة ( عائلا ) في سورة الضحى بمعنى فقير ( ووجدك عائلا فأغنى ) ووردت كلمة ( عيلة ) بمعنى الفقر في سورة التوبة ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ...) غير أن جمهور المفسرين{[499]} على أنها بمعنى ( لئلا تجوروا ولا تميلوا ) وإن الكلمة من ( عال ) بمعنى جار أو مال .وهذا مما هو وارد في معاجم اللغة وكتبها .ونقد بعضهم{[500]} القول الأول لغويا وصرفيا .وروح الآية ومضمونها يلهمان وجاهة تأويلها بمعنى الجور والميل أكثر .
ويمكن أن يقال أيضا في توجيه هذا التأويل: إنه لو كان القصد تفادي الفقر بسبب كثرة العيال والنفقة عليهم لما أبيح استفراش الإماء بدون قيد وشرط في نفس الآية كبديلات عن الزوجات .فهن في هذا سواء والحرائر في الطبيعة الجنسية .
تعليق على الجملة
( أو ما ملكت أيمانكم ) في الآية الثالثة
وتعبير ( أو ما ملكت أيمانكم ) مطلق يدل كما قلنا آنفا على عدم تحديد عدد الإماء اللاتي يمكن استفراشهن في ظروف واحدة من قبل سيدهن .وهذا إقرار لعادة كانت جارية وليس إنشاء تشريعيا كما هو المتبادر .وروح الآية تدل على أن جعل الإماء بديلا من الزوجات فيها هو بسبب قلة الأكلاف والمشاكل التي تنجم عن الزواج بالحرائر واحدة أو أكثر وهذا المعنى واضح أكثر في آية أخرى من هذه السورة وهي ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) ( 25 ) .
والجمهور على أن ما أبيح للمسلم الحر من استفراش ما يملك من إماء بدون تحديد غير مؤثر في حقه في جمع أربع زوجات في عصمته في ذات الوقت أيضا .
والمتبادر أن الشقاق بين الزوجات والجور عليهن إنما كان واردا بالنسبة للحرائر وحسب ،وبهذا يزول ما يمكن أن يقع في الوهم من التناقض .
وإطلاق استفراش الإماء الذي قد يبدوا الآن عجيبا ليس هو عجيبا بالنسبة للزمن الذي نزلت فيه الآية .وقد جعل وسيلة لتفادي الظلم أولا .وهو وسيلة من وسائل تحرير الإماء في الإسلام ثانيا ؛من حيث أن الأمة التي تلد لسيدها تتحرر حال وفاته ،ولا يصح عليها بيع ولا هبة في حياته وتسمى بأم ولد تمييزا لها عن غيرها{[501]} هذا بالإضافة إلى ما هيأه القرآن من الوسائل التي تجعل الرق من أساسه آيلا للزوال بالنسبة للأزمان التالية لزمن نزول الآية على ما سوف نزيده شرحا في مناسبات آتية .
ولقد شرحنا الشروط التي لا بد من توفرها ليكون استفراش الإماء سائغا من وجهة نظر الشريعة الإسلامية في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة ( المؤمنون ) فلا نرى ضرورة للإعادة .