بعد أن أخذ سبحانه وتعالى منهم إقرارا بأنه خالق الكون ومدبره والقائم عليه وحده ، بين سبحانه وتعالى أنه هو الرب وحده وأشار إلى أنه المستحق للعبادة وحده ، فقال عز من قائل:{ فذالكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون32} .
( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي إذا كان الله الخالق وحده المدبر للكون وخالق القوى الإنسانية وغيرها وحده فهو الرب حقا وصدقا ، و{ الحق} تأكيد لمعنى الربوبية ، والربوبية والعبادة متلازمتان تلازما لا يقبل الانفصال ، فالرب حقا هو المعبود وحده المنفرد بالخلق ، وهو المنفرد بالعبودية فلا إله غيره .
الخطاب في اسم الإشارة للجمع ؛ لأنه لا يخاطب به النبي وحده إنما يخاطب به الناس أجمعين وخصوصا المشركين؛ لأنهم الذين أقروا بالخلق وضلوا في العبادة .
وقد كانوا يقولون عن معبودهم"الرب"فاللات والعزى كانتا إلهان ، وهبل كان رب قريش ، والنصارى المثلثون قالوا عن المسيح الرب ، فالآية تشير إلى أن هذه الأرباب الكاذبة ادعاؤها انحراف في الفكر وبطلان في الاعتقاد ، فالرب حقا وصدقا هو الله تعالى وحده .
وقد أشار سبحانه في قوله:{ فذلكم الله ربكم} أي أنه الذي يرزق من السماء والأرض ويدبر الأمر ويقدر كل ما في الوجود ، وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فهو الرب المعبود حقا وصدقا وغيره باطل ؛ ولذلك قال سبحانه:{ فماذا بعد الحق إلا الضلال} .
( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي أنه يترتب على أن الله تعالى هو الرب لا رب سواه من حجر أو نبي أو ملك .
{ فماذا بعد الحق إلا الضلال} الاستفهام هنا إنكاري بمعنى نفي الوقوع وأن ذلك فكر لا يتصوره ويستنكره العقلاء ، والمعنى أنه ليس بعد الحق- وهو أن الرب المعبود هو الله وحده- إلا الضلال ، فالأمر إما حق أو باطل ولا توسط بينهما مما تدعون من أوهام بأنهم شفعاء لله ، فإن ذلك باطل في ذاته ، وأنه سبحانه لا يتخذ عنده شفعاء لا ينفعون ولا يضرون ، وإن لم يكونوا حجارة فإن منزلتهم من الله هي منزلة غيرهم على سواء .
{ فأنى تصرفون}( الفاء ) مثل التي قبلها{ فأنى} بمعنى كيف والاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع ، وفيه توبيخ ، والمعنى كيف تصرفون عن ذلك المعنى المستقيم وهو أن الخالق وحده هو الرب المعبود ولا معبود سواه ؟ ! ولكن هكذا تضل الأفهام وتعمى القلوب التي في الصدور .