{ ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطيع على قلوب المعتدين 74} .
أشار سبحانه إلى الأنبياء من بعد نوح مثل هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط عليهم السلام وغيرهم ، وكلهم كذبوا مع ما جاءوا به من الآيات ، وجاء ذكر الرسل بعد نوح- عليه السلام- بالإجمال ، فلم يذكرهم سبحانه نبيا نبيا ، كما جاء في سور أخرى وكما سيجيء في سورة هود ولكن الله تعالى أثبت أمرين:
الأمر الأول – أن كل رسول جاء بالبينة الدالة على رسالته صارفا أنظارهم إلى الكون وما فيه ، والضمير في قوله تعالى:{ فجاءوهم بالبينات} يعود على الكافرين بكل الرسل وكأنهم مع اختلاف أجيالهم قبيل واحد يجمعهم الجحود والعصيان والكفر بآيات الله تعالى ؛ فالناس أبناء الناس ويجمع الأخلاف صفات الأسلاف ، ويجمع المؤمنين صفات الأذعان للدليل والتصديق للحق ، ويجمع المكذبين صفات الجحود بالآيات ولو كانت بينة تستيقنها نفوسهم .
الأمر الثاني – سبب الكفر الذي تتوارثه الأجيال التي كتب الله عليها شقوتها فقال جلت كلماته:{ فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} أي أن شأن الذين يكفرون أن يبادروا عند دعوة الحق الذي يجيء به نبي من الأنبياء بالتكذيب قبل أن يمنعوا في دعوته وقبل أن يستمعوا إلى الدليل ويتأملوه ويتعرفوه ، فإذا سارعوا بالتكذيب نأوا عن الحق وجادلوا عن كفرهم وأمعنوا في الباطل إمعانا وضلوا ضلال بعيدا فلا يستقيم لهم إيمان بعد ذلك ويطبع الكفر على قلوبهم وتنغلق على الكفر ، كما جاء في آيات أخرى مثل قوله تعالى:{. . . .وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون 87}( التوبة ) ، وكقوله:{ كذلك نطبع على قلوب المعتدين} فهم يبادرون بالإنكار معتدين ، ثم يلج بهم العناد فيكرروا الاعتداء المرة بعد الأخرى حتى يصير والاعتداء وصفا ملازما لهم ، لا يقفون عند حد فيكون اعتداء على الحقائق وعلى آيات الله وعلى العباد .
من قصة موسى وفرعون