{نَطْبَعُ}: الطبع: أن تصوّر الشيء بصورة ما .
إرسال موسى وهارون إلى فرعون
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ} فلم تقف المسيرة عند نوح ،لأن الله أراد للإنسان أن يواصل رسالة المعرفة من خلال الوحي في ما لا يملك وسيلة معرفته ،أو في ما يحتاج في معرفته إلى جهدٍ كبير لا تتوفر لديه بعض طاقاته ،ليكون ذلك هو الأساس الذي تنطلق من قاعدته قضية النموّ والتطور في حركة الحضارة الإنسانية التي يريد الله لها أن تتحرك من مواقع روحيّة وفكرية واقعية .
وهكذا كانت الرسالات منطلق هدى ،وينبوع خير ،وحركة إبداع ،ويقظة روح{فَجَآءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} إن الرسالات لا تمثّل الصدمة التي تهز في الناس شعورهم ،بل تمثّل الفكرة التي تحرك فيهم عقولهم ،ولذلك كانت أدواتها فكرية عقلانية ،فلا تدعو الناس إلا من خلال الحجة التي تدفعهم إلى التفكير ،وتقودهم إلى التأمل والحوار ،لأن ذلك هو الذي يجعل للقناعات قوّتها في حساب العقيدة ،ويؤكّد لها مواقعها في مواقع الصراع .ولكن الكثيرين من الناس لا يريدون أن يفكروا من موقعٍ عقليٍّ موضوعيٍ{فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} من غير قاعدة للتكذيب ،بل كانت القضية مزاجاً وشهوة وتمرّداً على أساس الذاتية التي تحدد مواقفها من خلال انفعالاتها{كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} فنختم على عقولهم بسبب ما اختاروه لأنفسهم من العدوان على الرسل والرسالات ،بعد أن أغلقوا قلوبهم عن كل كلمات الحق وجمّدوا مشاعرهم عن الاستجابة لنداء الله ،فكانت النتيجة هي ابتعاد العقول عن الإيمان ،وذلك من خلال ما ربط به الله الأمور في قانون السببيّة الذي يتصل فيه المسبب بالسبب .