أوصاف الضالين
هذه أوصاف الذين عتوا عن أمر ربهم وخرجوا عن جادة الحق ، وأوصافهم في مقابلة أوصاف المؤمنين ، وهم متصفون بصفات ثلاث ، جعلتهم يمردون على الكفر والطغيان ، وهذه الصفات الثلاث هي:نقض عهد الله ، والثانية:قطعهم ما أمر الله به أن يوصل ، والثالثة ، الفساد في الأرض .
أما الأولى فقد بينها سبحانه وتعالى:{ والذين ينقصون عهد الله من بعد ميثاقه} وعهد الله تعالى بدهى تدركه البديهية السليمة ؛ لذا سمى دين التوحيد ، فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها . وهي إدراكها حقيقة ، حتى إن بعض العلماء قال:إن إدراك الله تعالى تدركه البديهة السليمة ؛ لذا سمى دين التوحيد ، فطرة الله التي فطر الناس عليها . وقد نص على عهد الله في قوله تعالى:{ وإذ أخذ ربك من بني آدم ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ( 172 ) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ( 173 ) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ( 174 )} [ الأعراف] .
ولم يترك الناس بعد هذا العهد الذي أخذ بمقتضى الفطرة ، بل وثقه بميثاق ، ولذا قال تعالى:{ من بعد ميثاقه} وهذا الميثاق الذي وثق به الرسل الذين أرسلهم مبشرين ومنذرين{. . .وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( 24 )} [ فاطر] ، وقال تعالى:{. . . وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( 15 )} [ الإسراء] .
ولقد جاءت النذر بهلاك الأمم التي فسقت عن عهدها ، فكان ذلك توثيقا بعد توثيق ، وإنذارا بع إنذار ، ومع ذلك نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه .
الصفة الثانية:قطعهم ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام ، والعلاقات الاجتماعية الفاضلة على ما بينا في معنى قوله تعالى في صفات المؤمنين:{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} .
الصفة الثالثة:أشار إليها سبحانه وتعالى بقوله:{ ويفسدون في الأرض} الفساد في الأرض ألا يقوم فيها النظام الاجتماعي على التكافل بين الآحاد ، ومعاونة بعضهم ، وألا يستعلى قوي على ضعيف ، وألا يندغم الضعفاء في الجماعة ، وألا يراعى لهم حق ، وأن يكون التفاوت الظالم بين الآحاد ، وألا يكون ضابط يحمى الضعفاء من الأقوياء والأغنياء من الفقراء ، وأن يسود الظلم من الحكام لرعاياهم ، فإن ذلك فسادا أي فساد ، وقد رأينا حكاما ظالمين يقتلون الرعية بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، والله أكبر ، ويدعون أنهم يصلحون وهم المفسدون ؛ لأن أساس كل نظام العدل . إفساد أي حكم بالظلم أولا ، وما يتبعه تحسس وتجسس وسعاية ثانيا ، وما يجري وراءه من نفاق ثالثا:وإذا جاء النفاق عم الفساد . ولقد قال أبو العالية:"ست صفات في المنافقين ، إذا كانت الظهرة ( أي السيطرة ) على الناس أظهروا هذه الخصال:إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا ائتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله بعد ميثاقه ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، وإذا كانت الظهرة عليهم ثلاث خصال:إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا ائتمنوا خانوا".
وإن النفاق دائما وليد الاستبداد الغاشم ، والظلم الطاغي ، وقد رأينا وشاهدنا .
وقد بين الله سبحانه الجزاء الأوفى للذين لا يؤمنون ، فقال تعالى:{ أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} اللعنة هي الطرد ، وقد ذكرت غير مقيدة ، فإنها في الدنيا أو الآخرة ، أما لعنتهم في الدنيا فالمقت الشديد والبغض والكراهية ، وسوء الأحدوثة ، واقتران حياتهم بالخوف من الناس ، والاضطراب النفسي حتى يموتوا بغيظهم ، وسوء الحديث عنهم تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل . ويقال فيهم ما قاله الشاعر البطل محمود سامي البارودي:
زالوا فما بكت الدنيا لطلعتهم ولا تعطلت الأعياد والجمع
واللعنة في الآخرة:الطرد من رحمة الله ورضوانه ، فلا ينظر إليهم ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم{ ولهم سوء الدار} والدار هي الآخرة وسوءها جهنم وبئس المهاد .