{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ( 18 )} .
بين الله سبحانه وتعالى كيف سوى عبدة الأوثان بين المنعم والأوثان ، وبين الخلق والمخلوق ، وأنهم قد تجاوزوا المعقول وغفلوا عن الفطرة ، فبدل أن يشكروا النعمة كفروها .
وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك أن نعم الله تعالى أكثر من يضبطها العد والإحصاء ، وإنها واجبة الشكر على قدر الطاقة فإن ما لا يحصى لا يعلم للإنسان ، ولا يستطيع الشكر إلا من يعلم ، ويقدر ما يعلم .
{ وإن تعدوا} ، أي إذا أردتم أن تعرفوا نعم الله بالعدد لا تحصوها ، ولا تضبطوها ، ففي كونك في بطن أمك في نعمة ، وفي غذائك وأنت في الغيب المكنون في نعمة ، وفي تنقلك في بطن أمك من نطفة إلى علقة ، فمضغة مخلقة وغير مخلقة في نعمة ، وإذا خرجت إلى الوجود وجعل لك السمع والأبصار والأفئدة في نعم ، وإذا سخر لك الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم فأنت مغمور في نعم ، وهكذا في كل حياتك أنت في نعم الله تعالى ، وهو القيوم عليك .
وإذا كانت معرفة هذه النعم لا تبلغها طاقتكم ، فأنتم أحرى بألا تبلغ طاقتكم شكرها ؛ ولذا قال تعالى بعد بيان أن الناس لا يستطيعون إحصاء نعمه عليهم:{ إن الله لغفور رحيم} أكد سبحانه مغفرته ورحمته ، فكانت المغفرة من الرحمة ، إذ إنه سبحانه لا يطالبكم بالشكر إلا فيما تعرفون وما تطيقون وفيما تعرفون يعفو عن كثير سبحانه وتعالى ، وقد أكد سبحانه هذين الوصفين الجليلين ألا ب ( إن ) المؤكدة ، وبصيغة المبالغة ، وباللام ، والله على كل شيء قدير .