/م14
وفي نهاية المطاف ،يفند الباري سبحانه مسألة حصر النعم الإِلهية بما ذكر ،بقوله: ( وإِن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها ) .
إِنّكم غارقون في النعم الإِلهية وفي كل نفس يصعد وينزل آلاف النعم ( ولكل نعمة شكر واجب ) .
إِنّ كل دقيقة تمر من عمرنا نكون فيها مدينين لفعاليات ملايين الموجودات الحيّة في داخل بدننا وملايين الموجودات الحية وغير الحية في خارجه ،والتي لا يمكننا أن نحيا ولو للحظة واحدة بدونها .
ولكنّ ضبابية الغفلة حالت دون معرفتنا لهذه النعم الجمة التي كلّما خطا العلم الحديث خطوة إلى الأمام اتّضحت لنا أبعاد واسعة وانفتحت لنا آفاقاً جديدة في معرفة النعم الإِلهية ،وكل ما ندركه في هذا المجال قليل جدّاً ممّا قدّره الباري لنا ،فهل بإمكان المحدود أن يعد ما أعطاه المطلق ؟!
ونواجه في هذا المقام سؤالا واستفسارا: كيف إِذَنْ نؤدي حق الشكر للّه ؟و ..ألسنا مع ما نحن فيه زمرة الجاحدين ؟
وقوله تعالى: ( إِنّ اللّه لغفور رحيم ) خير جواب لما واجهنا به .
نعم ،فهو سبحانه أرحم وأرأف من أن يؤاخذنا على عدم الاستطاعة في أداء أتمّ الشكر على نعمه .
ويكفينا من لطفه تعالى بأن يحسبنا من الشاكرين في حال اعتذرنا له واعترافنا بالعجز عن أداء حق الشكر الكامل .
ولكن هذا لا يمنع من أن نتتبع ونحصي النعم الرّبانية بقدر المستطاع ،لأنّ ذلك يزيدنا معرفة للّه ،وعلماً بعالم الخليقة ،وآفاق التوحيد الرحبة ،كما يزيد من حرارة عشقه سبحانه في أعماق قلوبنا ،وكذا يحرك فينا الشعور المتحسس بضرورة ووجوب شكر المنعم جل وعلا .
ولهذا نجد أنّ الأئمّة( عليهم السلام ) يتطرقون في أقوالهم وأدعيتم ومناجاتهم إلى النعم الإِلهية ويعدون جوانب منها ،عبادةً للّه وتذكيراً ودرساً للآخرين .
( وقد تناولنا مسألة شكر النعمة وعدم قدرة الإِنسان على إِحصاء النعم الإِلهية عند بحث الآية الرّابعة والثلاثين من سورة إِبراهيم ) .
/خ18