وبعد بيان أسباب قتل الأمة نهى سبحانه عن القتل المباشر فقال سبحانه:
{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ( 33 )} .
تدرج في النهي ، فالنهي الأول كان عن قتل الأولاد ، ثم حرم ما يؤدى إلى ضياع الأولاد وموتهم ، وضياع النسل وانحلال الجماعة ثم نهى النهي الصريح ،{ ولا تقتلوا النفس} وعبر بالنفس ؛ لأن القتل ، وإن اتجه إلى الجسم ، غايته الاعتداء عليه ، وإزالتها من الوجود ، وقد صرح الله تعالى بأنه محرم قتلها ، فهو وصف كاشف مبين دل على التحريم القاطع الذي لا مسوغ له ، وقوله تعالى:{ إلا بالحق} ، استثناء من النهي ، وقد صرح الله تعالى ببعض المسوغات أو الحال التي يكون فيها القتل فقال:{ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنها قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا . . .( 32 )} [ المائدة] .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم معنى القتل بالحق فقال:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:النفس بالنفس ، وزنية ثيب ، وردة بعد إيمان"{[1431]} .
وإن القتل أشد الجرائم ، فقد قال:{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ( 93 )} [ النساء] ، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشافعي:"لزوال السموات والأرض أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق"{[1432]} .
ولذلك سوغ الله تعالى لولى المقتول أن يطالب بدمه ،{ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} ووليه هو قريبه بالعصبة ، ويكون ولي الأمر وليا في المطالبة بدمه إذا لم يكن له ولي ولا عاصب ، وإذا كان قاتله هو ولي الأمر الأكبر وعجز وليه العاصب عن المطالبة بدمه فإن المسلمين جميعا عليهم أن يطالبوا بالدم ، لأنهم أولياؤه ؛ ويكونون عصاة مذنبين إذا لم يطالبوا بدم من قتل مظلوما ، ولو كان القاتل هو الخليفة الأعظم ، ولو خذلوه ، ولم يطالبوا بدمه يكونون آثمين وعصاة ، وبترك ذلك الواجب المقدس ذهبت قوة المسلمين .
وقد روى التاريخ الكثير عن قتل الحكام الظالمين لبعض أهل الإيمان ، وسكوت المؤمنين ، ورأينا في عصرنا من قتل المؤمنين قتلة فاجرة والمسلمون ساكنون ينظرون ، ومن يتسربلون بسربال الدين يبررون ويحثون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإن من مقررات الإسلام أنه لا يهدر دم الإسلام ، كما روى عن علي كرم الله وجهه أنه لا يطل دم في الإسلام .
وقوله تعالى:{ فقد جعلنا لوليه سلطانا} ، أي تسلطا على القاتل ، يتتبعه حتى يقتضي الحاكم منه ، وقوله تعالى:{ فلا يسرف في القتل} بقتل غير القاتل أو بقتل كثيرين في واحد ، كما كان يفل أهل الجاهلية ، ومن الإسراف المثلة ،{ إنه كان منصورا} ، أي إن الله ناصره ، وقد خذله حقه فلا يتجاوزه ، وقد خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين القود أو العفو أو الدية فإن زاد عن الثالثة فخذوا على يديه .