{ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حُمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري 87} .
نفوا أنهم أخلفوا موعدهم مختارين مريدين ، بل كانوا تحت تأثير إغراء شديد وتضليل كبير ، وعبروا عن فقدهم لإرادتهم الحرة الخالية من الإغراء بقول{ بملكنا} قرئت بفتح الميم ويكسرها وبضمها{[1488]} ، والمراد أنهم ما أخلفوا وعدك في الوحدانية واستقامة النفس والفكر بإرادتهم الحرة المختارة ، ولكن بإغراء .
وفي هذا اعتراف بالجريمة ، واعتراف آخر بأنهم ارتكبوها وإرادتهم مسلوبة بإغراء شديد ، ولو كانوا أمام قاض من قضاة الدنيا لأخذهم باعترافهم ، واعتذارهم بأنهم كانوا مغرورين ومخدوعين لا يخليهم من العقاب بل يقرره عليهم ويثبته ، فالعبرة في الجريمة بالاختيار ، وقد كان الاختيار من غير إكراه ولا يُعد الغرور إكراها .
وخصوصا أنهم هم الذين قدموا سبب التضليل ، وقالوا:{ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} .
الاستدراك هنا استدراك من اعترافهم يتضمن الاعتذار عن ضعف إرادتهم ، وضلال نفوسهم ، وهو اعتذار سخيف كشأن بني إسرائيل في كل الأزمان{ حملنا} هذا فعل مبني للمجهول لم يذكروا من الذي حملهم هذه الأوزار ، إنما هم الذين حملوها أنفسهم ،وهناك قراءة{ حملنا}{[1489]} ، والأوزار جمع وزر ، وهو الحمل الثقيل ، ويصح أن يكون حمل بعضنا بعضا ما عهدته من زينة القوم أي من ذهبهم ، وكون الأوزار أحمالا ثقيلة لا تخلو من إثم ، لأن الوزر يطلق على الإثم باعتباره حملا ثقيلا على النفوس ، كما قال تعالى:{ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم 13} ( العنكبوت ) ، وهذه الأحمال كان فيها آثام ، لأنها من زينة بني مصر كانوا استعاروها منهم ، فما كانوا يملكون مثلها لإيذاء فرعون لهم ، وإذلالهم فأخذوا يكثرون من الاستعارة عندما أُذن لهم بالرحيل ، وقوله{ فقذفناها} أي ألقيناها ، ولذا قالوا{ فكذلك ألقى السامري} ، وتدل الروايات على أن قذفهم لها كان في النار لتصهر ، وفعل السامري مثلهم ، وقد كان دبر ذلك معهم ، ويروى أنه قال لهم:إن موسى يلومنا على ما أخذنا من زينة القوم فلنلقها في النار لتصهر ولا يراها .
وإن هذا يدل على أنه كانت إرادة ، وإنه كان إصرار على الجريمة ، وأنهم سلكوا الطريق إلى أسبابها من أوله إلى آخره .
وإذا كانت الجريمة عبادة العجل ، فقد وضعوا السبب الأول لصناعته ، وتولى كبر الصناعة السامري ودعاهم إلى عبادته فعبدوه .