هذا تكميل لبيان مساواتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الخلود ، ثم ذكر ذلك في قضية ماسة كلية لا استثناء فيها ، لأن الموت يلازم البشرية ، لأنه ما من حي من أحياء الأرض إلا له انتهاء وذكر{ كل نفس} ولم يذكر كل إنسان ، أو كل البشر ، لأن النفس هي التي تذوق مرارة فراق الجسد ، فالموت ينصب عليها ابتداء ، وقوله:{ ذائقة الموت} عبر عن الفراق بالذوق كأن الموت شيء يذاق ، وفيه تشبيه الموت بالذوق لأن كليهما يعتريه ألم ومرارة{ ونبلوكم بالشر والخير فتنة} أي نعاملكم معاملة المختبر ، بأن نمكنهم من الشر لتفعلوه أو تتجنبوه ، من الخير لتفعلوه ، وقدم الشر على الخير ، لأن الاختبار بالشر أشد في ذاته ، وإن يبدُ أخذه حلوا ولكنه مري ، ولأن أكثر الناس يستجيبون لداعي الشر بإغراء إبليس ، وإسناد البلاء إلى الله تعالى لأنه هو الذي يمكنهم ويسهل لهم النجدين نجد الخير ونجد الشر ، فقد قال تعالى:{ وهديناه النجدين 10} ( البلد ) .
و{ فتنة} مفعول مطلق ، لأنه مصدر في معنى "نبلوكم"وإن لم يكن بلفظه ، فالإنسان في موضع اختبار في النفع والضر ، فإن أعطى الخير فشكر ، فله الجزاء ، وإن كان حرمان فصبر فله الجزاء ويختبر بفتنة الضر ، فيلقى إليه الضر ويراه محبوبا ، والشهوات لينزع عنها ، فيكون في ابتلاء ، إن صبر أجر ، وإن رتع فيها رتعا جوزي بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة ، والصبر على النعمة بشكرها فيه الثواب ، والصبر على النقمة باحتمال آلامها من غير أنين ولا ضجر يستحق به الثواب ، ويقول سبحانه:{ وإلينا ترجعون} تقديم الجار والمجرور يفيد الاختصاص أي ترجعون إلينا وحدنا ، ويكون الملك يومئذ لله فيكون الحساب ثم الجزاء للطائعين والعقاب للعصاة ، وفي هذا إنذار للذين لا يطيعون أمر الله تعالى ، وقد صور سبحانه وتعالى إعراضهم في استهزائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم للحق فقال عز من قائل:
{ وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون} .