ثمّ يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون استثناء فيقول: ( كلّ نفس ذائقة الموت ) .
ويجب أن نذكّر بأنّ لفظة ( النفس ) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة ،فأوّل معنى للنفس هو الذات ،وهذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات الله المقدّسة ،كما نقرأ: ( كتب على نفسه الرحمة ){[2507]} .
ثمّ استعملت هذه الكلمة في الإنسان ،أي مجموع جسمه وروحه ،مثل: ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ){[2508]} .
واستعملت أحياناً في خصوص روح الإنسان كما في ( أخرجوا أنفسكم ){[2509]} .
ومن الواضح أنّ المراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثّاني ،وبناءً على هذا فإنّ المراد هو بيان قانون الموت العام في حقّ البشر ،وبذلكلا يبقى مجال للإشكال على الآية بأنّ التعبير بالنفس يشمل الله أو الملائكة أيضاً فكيف نخصّص الآية ونخرج الله والملائكة منها ؟{[2510]} .
وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال ،وهو: ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة ؟وأي فائدة منها ؟
فيقول القرآن حول هذا الكلام: ( ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة وإلينا ترجعون )أي إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا ،بل هو مكان آخر ،وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الاختبار و «الامتحان » ،وبعد اكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة .
وممّا يسترعي النظر أنّ «الشرّ » مقدّم على «الخير » من بين المواد الإمتحانية ،وينبغي أن يكون كذلك ،لأنّ الامتحان الإلهي وإن كان تارةً بالنعمة وأُخرى بالبلاء ،إلاّ أنّ من المسلّم أنّ الامتحان بالبلاء أشدّ وأصعب .
وأمّا «الشرّ » فإنّه لا يعني مطلق الشرّ ،لأنّ الفرض أنّ هذا الشرّ عبارة عن وسيلة للاختبار والتكامل ،وبناءً على هذا فإنّ المراد هو الشرّ النسبي ،وأساساًلا يوجد شرّ مطلق في مجموع عالم الوجود بالنظرة التوحيديّة الصحيحة !
ولذلك نقرأ في حديث أنّ أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) مرض يوماً فجاء جمع من أصحابه لعيادته ،فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين ؟قال: «بشرّ » !قالوا: ما هذا كلام مثلك ؟!قال: «إنّ الله تعالى يقول: ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة ،فالخير الصحّة والغنى ،والشرّ المرض والفقر » .
ويبقى هنا سؤال مهمّ ،وهو: لماذا يختبر الله عباده ؟وماذا يعني الاختبار من قِبل الله ؟وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية ( 155 ) من سورة البقرة ،وقلنا: إنّ الامتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم .طالعوا التفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك .