التّفسير
الموت يتربّص بالجميع:
قرأنا في الآيات السابقة أنّ المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )بشراً من أجل التشكيك بنبوّته ،وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجب أن يكون ملكاً وخالياً من كلّ العوارض البشريّة .
إنّ الآياتمحلّ البحثأشارت إلى بعض إشكالات هؤلاء ،فهم يشيعون تارةً أنّ انتفاضة النّبي ( وفي نظرهم شاعر ) لا دوام لها ،وسينتهي بموته كلّ شيء ،كما جاء في الآية ( 30 ) من سورة الطور: ( أم يقولون شاعر نتربّص به ريب المنون ) .
وكانوا يظنّون تارةً أُخرى أنّ هذا الرجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النبيّين ،فيجب أن لا يموت أبداً ليحفظ دينه ،وبناءً على هذا فإنّ موته في المستقبل سيكون دليلا على بطلان إدّعائه .فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة فيقول: ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) .
إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير ،أي انّه لا يكتب لأحد الخلود ،وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك: ( أفإن مت فهم الخالدون ) .
ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول .فإنّ شرائع إبراهيم وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) وإن لم تكن خالدة ،إلاّ أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام ( وبالنسبة لعيسى فإنّ شريعته استمرت بعد صعوده إلى السّماء ) لقرون طويلة .وبناءً على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبي الدائمة له ،فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه .
وأمّا ما تصوّره أولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنّهم أخطأوا في ظنّهم ،لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم بالشخص .والإسلام لم يكن قائماً بالنّبي ولا بأصحابه .فقد كان ديناً حيّاًينطلق متقدّماً بحركة الذاتية الداخلية ويخترق حدود الزمان والمكان ويواصل طريقه !