وإن الله تعالى يذكرهم بنعمة الله تعالى في حياتهم الخاصة والعامة التي تحوطهم ، ولا يشعرون بها ، بل يكفرونها .
{ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون} .
هنا التفات ، فقد كان الكلام في استهزاء المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم واستهزاء من كانوا قبلهم بالأنبياء السابقين ، ثم التفت القول إلى المستهزئين من قريش ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم:{ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} أي قل يا رسول الله:من يحميكم ويبقيكم{ من الرحمن} أي من عذابه وعقابه الدنيوي ، والكلاءة بكسر الكاف مصدر كلأ هي الحماية والتبقية ، وقد قال الأصفهاني في مفرداته:والكلاءة ، حفظ الشيء وتبقيته يقال كلأك الله وبلغ بك أكلأ العمر .
والنص السامي يفيد أمورا ثلاثة:
أولها- بيان نعمة الله تعالى عليهم في حفظهم وتبقيتهم مع عظيم جرائمهم في مأوى يسكنون فيه ، ويقيهم الحر والبرد ، ويمدهم بالغذاء والكساء لحفظ أنفسهم من الموت . ولتبقيتهم إلى أن يقضي أمرا كان مفعولا ، فهم في كلاءة الله تعالى المستمرة حتى ينزل بهم ما هم أهل له .
الثاني:ما يضمنه من إنذار شديد لهم ، وأن الله تعالى الذي كلأهم هو مسيطر عليهم منزل بهم ما يستحقون ، فهو يمهل ولا يهمل .
الثالث- أن هذه الوقاية من الرحمن أي عذابه ، ووصف سبحانه ذاته العلية بالرحمن ، للإشارة إلى أن نزول العذاب بهم بعد هذا الاستهزاء من دواعي رحمته ، لأن عذاب المجرمين من الرحمة ، لأنه إذا كان عذابا للفجار فهو رحمة بالأبرار ، فمن الرحمة ألا يسوى بين المحسن والمسيء .
{ بل هم عن ذكر ربهم معرضون} الإضراب هنا إضراب انتقالي من وصف إلى وصف للمشتركين ، فهم يستهزئون ويجهلون ولا ينتبهون مع وجود المنبه المرشد الذي يرشدهم إلى ربهم ، وبذكره لهم ، وأثبت أنهم معرضون عن ذكر ربهم أي تذكره ، ف{ ذكر ربهم} من إضافة المصدر للمفعول ، وهم في غفلة مستمرة عنه ، مع أنه خالفهم وحافظهم وفي كل حياتهم ما يُذكّرهم ، والجملة الاسمية مؤكدة لاستمرار الإعراض ، وقلوبهم غلف لا تفتح لذكره سبحانه وذكر آلائه ونعمه ، وهنا أمران بيانيان:
أولهما – أن الله تعالى في ذكر نعمة الكلاءة من عذاب الرحمن ، وقد ذكر الليل قبل النهار ، لأن المفاجآت بالعذاب تكون فيه أكثر ، ووقعها أشد ، ولأن الليل حيث يكون الاطمئنان فالمباغتة تكون فيه أشد .
ثانيهما- أن الاستفهام هنا للتذكير والتنبيه ، إلى ما هم فيه من نعم واقية ، وإيجابية ، والله تعالى أعلم .
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقيهم من العذاب الذي يستحقونه لا آلهتهم ، ولذا قال:
{ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصبحون} .