إن الظلم وقع على الذين أخرجوا من ديارهم بحق إلا أن يقولوا ربنا الله ، وإن هؤلاء خير البرية ولهم فضل أنهم لا يشركون بالله ، وإنهم ليقولون ربنا الله فيحكمون بوحدة الربوبية ووحدة الخلق ووحدة التكوين ، وهم إن تمكنوا من الأرض عمروها ، وسادتها العبادة الحق والتعاون في المال والفضيلة .
قال تعالى:{ الذين} ، هذا وصف ثان للذين أخرجوا من ديارهم ، وقد صورهم سبحانه مظلومين أذن لهم بالدفاع عن الحق الذي حملوه ، وردع الباطل الذي ظلموا منه ، ويصورهم الآن أنهم إن مكنوا في الأرض عمروها ، ونشروا فيها الخير والفضيلة ، و{ إن مكناهم} ، أي جعلنا لهم مكانا متميزا في الأرض ، ودولة قائمة في الأرض يظلها العدل والخير والفضيلة ، وقد ذكر الله تعالى أعمالا يقومون بها إن وجدت في جماعة كانت الأمة الفاضلة في الأرض .
أول هذه الأعمال:إقامة الصلاة التي تقوم بها تلك الجماعة الكريمة تطهير نفوس آحادها ، وملؤها بطاعة الله وخشيته ، وذلك بإقامة الصلاة فقال:{ أقاموا الصلاة} ، أي أتوا بها مقومة تمتلئ فيها القلوب بذكره سبحانه ، وتستشعر خشيته وهيبته ومحبته وجلالته ، وبذلك تتطهر القلوب ، وتعمرها خشية الله تعالى ومحبته ، فتحب عباده ، وتحب كل شيء له ، ويتحقق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله"{[1532]} .
ثاني هذه الأعمال:إيتاء الزكاة ،{ وآتوا الزكاة} ، وهي حق السائل والمحروم ، وهي رمز للتعاون الاجتماعي بين القادر والعاجز والغني والفقير ، ومن ابتلاه الله تعالى بالمال ، ومن ابتلاه الله تعالى بالحرمان .
وثالث هذه الأعمال:التعاون على الخير ، ودفع الآثام ، وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكوين رأي عام فاضل يحث على الفضيلة ، ويمنع الرذيلة ،وهو قوله تعالى:{ وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} وبها يتكون رأي عام فاضل يشجع الفضلاء ، ويقمع الأرذلين .
وقال تعالى في ختام الآية الكريمة:{ ولله عاقبة الأمور} ، وهو يشير إلى أنهم يؤمنون بلقاء الله تعالى وأنهم لم يخلقوا سدى ، فيكون الخير لأهله يوم القيامة جنات النعيم ، ولأهل الشر عذاب الحميم .