/م38
41 - الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
ولله عاقبة الأمور: أي: له تعالى مرجعها تدبيرا وحكما .
تفيد الآيات 38 – 41 مشروعية الجهاد ،والإذن به من الله تعالى للدفاع عن الحرمات ،وإزالة طواغيت الكفر ،والحفاظ على الإيمان وأهله ،فإن من سنن الله أن يدفع ظلم الظالمين ،بجهاد المؤمنين ،ولولا ذلك لاشتد طغيان الكافرين وهدموا دور العبادة ومعابدها ،وقد تكفل الله بنصر المؤمنين ،وإكرام المجاهدين .
ثم تعدد الآية 41 من سورة الحج صفات هؤلاء المؤمنين الذين يستحقون نصر الله تعالى ،وهي:
1 – إقام الصلاة والمحافظة عليها بخشوعها وأركانها في أوقاتها .
2 – إيتاء الزكاة ،ومساعدة المحتاجين وتحقيق التكافل والتراحم .
3 – الأمر بالمعروف ،والحث على الخير والصلاح وطاعة الله تعالى .
4 – النهي عن المنكر ،والتحذير من الشر والفساد والمنكرات ومعصية الله .
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
أي: له سبحانه ما تئول إليه أمور الناس من عز وذل ،وفقر وغنى ،وعلو وانحطاط ،قال تعالى: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء وتذل مت تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير .( آل عمران: 26 ) .
من تفسير مقاتل بن سليمان:
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض .
يقول: لولا أن يدفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين .
لهدمت .يقول: لخربت صوامع .الرهبان ،وبيع .النصارى ،وصلوات .اليهود ،ومساجد .المسلمين .
يذكر فيها اسم الله كثيرا: كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرا في مساجدهم ،فدفع الله عز وجل بالمسلمين عن هذه الملل ،ولينصرن الله على عدوه من ينصره .من يوحده ،إن الله لقوي في نصر أوليائه عزيز .يعني: منيع في ملكه وسلطانه ،نظيرها في الحديد: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ...( الحديد: 25 ) .يعني من يوحده .ونظيرها في الأحزابxxx ،وهودxxxi .
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ .
يعني: أرض المدينة ،وهم المؤمنون بعد القهر بمكة ،ثم أخبر عنهم فقال تعالى:
أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ .
يعني: التوحيد الذي يعرف ،ونهوا عن المنكر .الذي لا يعرف وهو الشرك .
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
يعني: عاقبة أمر العباد إليه في الآخرةxxxii .
من تفسير القرطبي:
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض .
أي: لولا ما شرعه الله تعالى ،للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء ،لاستولى أهل الشرك ،وعطلوا ما بناه أهل الديانات ،من مواضع العبادات ،ولكنه دفع بأن أوجب الجهاد ،ليفرغ أهل الدين للعبادة ،فالجهاد أمر متقدم في الأمم ،وبه صلحت الشرائع ،واجتمعت المتعبدات ،فكأنه قال: أذن في القتال ،فليقاتل المؤمنون ،ثم قوى هذا الأمر في القتال بقوله:
ولولا دفع الله الناس ...
أي: لولا الجهاد والقتال ،لتغلب أهل الباطل على أهل الحق في كل أمة .
خلاصة المعنى:
في ختام الآيات نرى أن الجهاد في الإسلام شرع للدفاع عن النفس ،وتمكين أصحاب الديانات جميعها من عبادة الله ،وتكليف المؤمنين بجهاد الكافرين ،لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،وتمكين الله للمؤمنين في الأرض ،حتى يقيموا الصلاة ،ويؤتوا الزكاة ،ثم هم ينصرون المعروف ،وينهون عن المنكر ،ويحقون الحق ويبطلون الباطل .