/م38
40 - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ .
الذين أخرجوا من ديارهم: يعني مكة .
بغير حق: بغير موجب في الإخراج .
إلا أن يقولوا: أي بقولهم .
ربنا الله: وحده .وهذا القول حق ،فالإخراج به إخراج بغير حق .
الصوامع: جمع صومعة ،وهي معبد خاص برهبان النصارى في الصحراء .
الدير والبيع: جمع بيعة بزنة حرفة ،وهي متعبد النصارى عامة .
وصلوات: جمع صلاة ،وهي كنيسة اليهود ،وأطلق عليها صلاة ،لأنهم يصلون فيها ،وصلوتا بالعبرية: معبد اليهود .
مساجد: واحدها نسجد وهو معبد المسلمين .
قال ابن عباس:
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ .أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق ،يعني: محمدا وأصحابه .
إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ .
قال ابن كثير:
ما كان لهم إساءة ولا ذنب ،إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له ،كما قال تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ .( الممتحنة: 1 ) .
وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود: وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .( البروج: 8 ) .
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا .
خلق الله الإنسان بيده ونفخ فيه من روحه ،وأسجد له الملائكة وزوجه حواء ،وأودع في الإنسان الصفات والإمكانيات ،والاختيار والإرادة ،ما يجعله سيد قراره ،فهو يختار الهدى بإرادته ،أو يختار الضلال بإرادته ،وشاء الله أن تكون لهذه الحياة الدنيا نواميس وسنن كونية ،ومن هذه النواميس صراع قوى الخير مع قوى الشر ،وقد يتغلب الشر حينا ،لكن العاقبة للمتقين ،من أجل ذلك أنزل الله الكتب ،وأرسل الرسل ،وشرع الجهاد والنضال ،لإيقاف البغي والعدوان ،وكأن القرآن يحث المؤمنين على الجهاد والنضال ،فقد جرت العادة أنه لا يدفع الشر إلا بمثله ،والبادئ أظلم ،يقول شوقي:
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ***ذرعا وإن تلقه بالشر ينسجم
ويقول الآخر:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له *** بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى
فلولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين ،من قتال الأعداء ،لهدمت معابدهم ،واستبيحت حرماتهم ،ومن هذه المعابد ما يأتي:
الصوامع: جمع صومعة ،وكانت قبل الإسلام مختصة برهبان النصارى ،وعباد الصابئة ،والمراد بها هنا: متعبد الرهبان .
البيع: جمع بيعة بوزن كسرة ،وهي مصلى النصارى جميعا .
الصلوات: جمع صلاة ،وهي كنيسة اليهود .
المساجد: جمع مسجد ،وأكثر ما يطلق على مصلى المسلمين .
وقيل: المعنى لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس ،وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ،وفي زمن محمد صلى الله عليه وآله وسلم المساجد .
يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا .
قيل: الضمير راجع إلى المساجد لأنها أقرب المذكورات .
وقال الضحاك: الجميع يذكر فيها الله كثيرا .
وقال الطبري:
الصواب لهدمت صوامع الرهبان ،وبيع النصارى ،وصلوات اليهود – وهي كنائسهم – ومساجد المسلمين ،التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ؛لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب .
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .
إن الله تعالى تكفل بالنصر لمن نصر دينه وشريعته .
قال تعالى: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ .( محمد: 7 ) .
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .
فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا ،وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب ،بل كل شيء ذليل لديه فقير إليه ،ومن كان القوي العزيز ناصره فهو المنصور ،وعدوه هو المقهور .
قال الله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ .( الصافات: 171 – 173 ) .
جاء في تفسير المراغي:
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ
أي: وليعينن من يقاتل في سبيله ،لتكون كلمة الله هي العليا ،وكلمة الذين كفروا السفلى ،ولقد أنجز الله وعده ونصر المسلمين على صناديد قريش ،وأكاسرة العجم ،وقياصرة الروم ،وأورثهم أرضهم وديارهم .
ونحو الآية قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ .( محمد: 7 ،8 ) .