وقد بين سبحانه كيف نزل بهم العذاب ، فعبر عن أمر الله بعذابهم بصيحة أرجفت أرضهم وديارهم ، وجاءتهم بريح صرصر عاتية ، فقال:
{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 41 )} .
"الفاء"عاطفة على القسم السابق جاء ما بعده فوره ، أي بعد زمن ليس ببعيد في علم ، والصيحة بالحق هي إرادة الله التي تكون بالحق دائما ، فهي كناية عن إرادة الله تعالى التي لا يتخلف حكمها ساعة من زمان ، وكانت هذه الإرادة تتجلى في رجفة تجعل عالي الأرض سافلها ، أو تدكدك الديار ، أو بريح صرصر عاتية ، كما فعل الله مع قوم لوط وعاد وثمود .
وقوله تعالى:{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} تعبير مجازي مؤداه أنه نزلت بهم آثارها التي أرادها الله تعالى بهم ، وقد شبهت الصيحة بسبع:التهمهم وأخذهم ؛ لأنها لم تبق منهم ولم تذر ، وقال تعالى:{ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء} الفاء عاطفة على{ فأخذتهم} ، أي أن هذه أمور متعاقبة من غير تراخ ، والغثاء الأشياء التي ليس لها كيان ولكن تبدو كأنها شيء موجود له كيان ، جاء في مفردات الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن ، الغثاء غثاء السيل والقدر ، وهو ما يطفح ويغرق من النبات اليابس ، وزبد القدر ، ويضرب به المثل فيما يضيع ، ويذهب غير معتد به ، ويقال:"غثا الوادي غثوا ، وغثت نفسه تغثي غثيانا غثيت".
ومؤدي هذا القول:أن أولئك الذين كانوا يحسبون أنهم كجلاميد الصخر في عنفهم وعنادهم وإيذائهم قد صاروا شيئا ليس له كيان ، وإن كان لهم كيان ، فهو لا يبقى زمانين ، بل كان رغاء ، يعلو وينتفخ ويزول بنفخة واحدة ، وقال تعالى:{ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الفاء للإفصاح ، أي إذا كانوا قد صاروا غثاء فقد بعدوا وهلكوا فبعدا وهلاكا لهم ، والبعد ضد القرب ، والبعد لغير أوبة هلاك وموت ؛ لذا يقال:"بعد"بكسر العين بمعنى مات وهلك ، كما قال تعالى:{ كما بعدت ثمود ( 95 )} [ هود] ، أي هلكت ، وأظهر سبحانه في موضع الإضمار لبيان أن ذلك كان بسبب ظلمهم لأنفسهم ، وللناس ، وللحقائق ، ولتدليهم في الشرك فعقابهم قصاص من ظلمهم ، وما ربك بظلام للعبيد .