وبين سبحانه وتعالى أن الذين يروجون الفساد ويتهمون الأبرار يعملون على إشاعة الفاحشة ونشرها ، فقال تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( 19 )} .
بين سبحانه في هذه الآية ما يترتب على رمي البرآء ، واتهام الأتقياء وخصوصا من لهم مكانة في الإيمان والفضل ، وقد بين ما يترتب عليه إشاعة الفحشاء ونشرها بين الذين آمنوا ، وذلك لأنها إذا شاعت في الأتقياء ذوي المكانة سهل ارتكاب الفاحشة ، فإذا تسامح من يكون في قلبه نزغة أن فلانة من أزواج الكبراء ، قد ارتكبتها فلا تجد حرجا أو لائمة أن ترتكبها ، فكان الذين يلوكون بألسنتهم اتهام أزواج الكبراء قاصدين إليها غير متأثمين من ترويجها يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، لأنهم إذا علموا النتائج المترتبة على قولهم ، واستمروا في غيهم ، فهم يحبون هذه النتيجة ويسعون بعملهم إليها ، وقد ذكر سبحانه ذلك ليعلم العابثون إن استمروا أنهم يحبون هذا الفساد ، وقد ذكر سبحانه جزاءهم ، فقال:{ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ، أما عذاب الدنيا فهو العقاب الصارم وهو الحد ، والحد كما قلنا يتضمن ثلاثة أنواع لا يكفر إلا آخرها ، وهي الجلد ثمانين جلدة ، والثاني:ألا تقبل لهم شهادة أبدا ، والثالث:الحكم عليهم بأنهم فاسقون ، وهذا ما تكفره التوبة .
وأما عذاب الآخرة فإن الله تعالى اختصه بعلمه ، حتى نراه يوم القيامة عيانا ، ولا نعلم منه إلا ما أراد الله بيانه من القرآن الكريم من عذاب الكافرين ، ثم قال تعالى مؤكدا العواقب الوخيمة من رمي البريئات والبرآء{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الله وحده يعلم صحة الاتهام إن كان صحيحا ، ومواضع التهمة ، ويعلم أثر ذلك في الجماعات من إشاعة الفساد ، وانحلال الرابطة الاجتماعية ، وإشاعة الأقوال الباطلة{ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أسرار البيوت ودخائلها ، فإن ذلك في كنّ مستور ، ومن المصلحة ستره ، روى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله تعالى حتى ينزع ، وأيما رجل شد غضبا على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه ، وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، وأيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله تعالى أن يدنيه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال"{[1557]} ، وإن هذا الحديث كما روى ، جامع لآفات اللسان التي ترمي في نار جهنم .