وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم لم يقل «الذين يشيعون الفاحشة ،بل قال: ( الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ) وهذا يحكي عن الأهمية القصوى التي يدليها القرآن لذلك .وبعبارة أخرى: أنّه لا ينبغي توهم أن ذلك كان من أجل زوجة النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو شخص آخر بمنزلتها ،بل من أجل كلّ مؤمن ومؤمنة ،فلا خصوصية في ذلك ،إنّما هي عامّة للجميع على الرغم من أن كل حالة لها خصائصها ،وقد تزيد الواحدة على الأُخرى في الخصائص أو تنقص .
كما يجب الانتباه إلى أن إشاعة الفحشاء لا تنحصر في ترويج تُهمة كاذبة ضد مسلم مؤمن ،يتهم بعمل مخل بالشرف ،بل هذه مصداق من مصاديقها ولهذا التعبير مفهوم واسع يضم كل عمل يساعد في نشر الفحشاء والمنكر .
وقد وردت في القرآن المجيدِ كلمةُ «الفحشاء » غالباً للدلالة على العمل المخل بالعفّة والشرف .ولكن من الناحية اللغوية ،فقد ذكر الراغب الأصفهاني مفهوماً واسعاً لها فقال: الفحش والفحشاء والفاحشة ،ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال .
ويستعمل القرآن أحياناً هذا المفهوم الواسع ،حيث يقول ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ){[2755]} .
وبهذا يتّضح المفهوم الواسع للآية:
أمّا قول القرآن الكريم: ( لهم عذاب عظيم في الدنيا ) فقد يكون إشارة إلى الحدود والتعزيرات الشرعية .وردود الفعل الاجتماعية ،وما يبتلى به الناس في هذه الدنيا من مظاهر مشؤومة بسبب أعمالهم القبيحة ،إضافة إلى عدم تقبل أية شهادة منهم ،وإدانتهم بالفسق والفجور وافتضاح أمرهم .كل ذلك من النتائج الدنيوية التي تترتب على أقوالهم وأعمالهم القبيحة .
وأمّا عذابهم الأليم في الآخرة ،فيكون في ابتعادهم عن رحمةِ الله ،واستحقاقهم غضب الله وعذاب النار .
وتختم الآية بالقول ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) أجل ،وإن الله يعلم بالعاقبة المشؤومة التي تنتظر الذي يشيعون الفحشاء في الدنيا والآخرة ،ولكنّكملا تعلمون أبعاد هذه القضية .
إنّه يعلم الذين يبيتون في قلوبهم حب هذا الذنب ،ويعلم الذين يمارسونه تحت واجهات خداعة ،أمّا أنتم فلا تعلمون ذلك ولا تدركونَهُ .
أجل ،يعلم الله كيف ينزل أحكامه ليحول دون ارتكاب هذه الأعمال القبيحة .