المعصية لا تسوغ قطع الرحم ، والبراءة من الإفك
{ ولا يأتل} معناها لا يحلف ، من الإلية بمعنى الحلف ، وائتلى افتعل من الإلية ، ويروي في ذلك أن مسطح بن أثاثة كان ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وكان فقيرا مسكينا ، ومهاجرا في سبيل الله . وحضر بدرا ولكن زلق لسانه فخاض في حديث الإفك مع قرابته من أبي بكر ، الذي كان ينفق عليه لفقره وقرابته ، وهجرته ، وحضوره بدرا ، فلما فعل فعلته ، ولاك بلسانه سمعة الصديقة بنت الصديق منع النفقة ، وقال:لا أنفعه بنافعة قط ، فنهاه الله تعالى عن ذلك{[1558]} وكان نهيا عاما لكل من يكون في مثل حال الصديق ومثل حال مسطح ، وإن السبب يكون خاصا ، ولكن الحكم يكون عاما ، وهو نهي عن الحلف ، وعن المحذوف به ، ومؤداه أنه يجب عليه أن يرد نافعته إليه ، ويستمر في النفقة ويحنث في يمينه ، كما قال صلى الله عليه وسلم:( من حلف على شيء فرأي غيره خيرا منه فليحنث وليكفر ){[1559]} ، ولا تصح إيمان مانعة من الخير كما قال تعالى:{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ . . . ( 224 )} [ البقرة] ، أي لا تجعلوها حائلة بينكم وبين أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس .
{ الفضل} هنا هو الخلق الكريم الذي يفيض بالخير على الناس ، فالمعنى ولا يأتل أصحاب الفضل الذين لا يشحون بخير على من دونهم ، ومن مثل أبي بكر في الفضل بعد النبيين ، الذي كان إذا رأى من يفتن في دينه اشتراه من وليه وأعتقه ، و( السعة ) ، أي الخير الكثير في المال ، وبذلك يكون أولئك الفضلاء يجمعون بين الخلق الكامل والمال الثري ، يفيض بخلقه ، ويعطي من ماله ، يطالب هؤلاء بأن يغفروا زلات من يعطونهم ، كما يغفر الله لهم زلاتهم وخطيئاتهم إن كانت ، فيقول سبحانه{ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} الاستفهام بمعنى النفي والتنبيه على وجوب الغفران ، أي أنه كما أنكم تحبون أن يغفر الله لكم فاصفحوا واعفوا ، فإن الجزاء من جنس العمل والوجدان والإحساس ، والفرق بين العفو ، والصفح ، وهو أن العفو هو عدم جزاء السيئة بمثلها ، ودفع السيئة بالحسنة ، والصفح هو محو آثار الإساءة من النفس ، وقد أمر الله تعالى رسوله بالصفح الجميل ، فقال عز من قائل:{. . فاصفح الصفح الجميل ( 85 )} [ الحجر] وهو الصفح مع تجافي ما يذكر بالإساءة .
وقد ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله:{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، أي كثير المغفرة بصفات الله ، وإن كانت لا تليق إلا بذاته وجلاله .
وقد يستنبط الفقهاء من هذا خطأ من يقول إن الزكاة لا تصرف لعاص ، لأن ذلك يتنافى مع معنى هذه الآية ومغزاها الكريم ، ولأن منع العاصي ربما يؤدي إلى إسرافه في المعصية ، والرفق به قد يقربه ويهديه .