وبعد هذا الأدب الكريم الذي يعم ولا يخص الصديق وابنتهبين بعد ذلك عقاب الذين يرمون المحصنات ، فقال عز من قائل:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 23 )} .
هذه الآية عامة في كل من يرمي محصنة ، وهي التي عرفت بالتقوى والبعد عن الخنا ، وليس موضوعه من رمى عائشةرضي الله عنهابل من يكون لسانه غير منضبط ، يرسل القول إرسالا ، بين المؤمنين في المحصنات ، فهي تعم كل من ليس عفيف اللسان يرمي النساء بالفحش ، لأدنى شبهة ، وإن الكامل يعف لسانه عن النطق بالهجر .
والمحصنة هي التي لم ترتكب الخنا ، وهي عفيفة عرفت بالعفة ، ولم تعرف بالفجر ،{ الغافلات} الغافلة هي الطيبة الطاهرة التي ليس عندها خبرة ، ولا معرفة بأحوال الناس ، وشأن المرأة التقية أن تكون في غفلة عما يلهو به الناس ، لا تعرف الرذيلة ولا ترتكبها ، فيها غرارة ، وسذاجة ، والمؤمن كما في الأثر:غر كريم ، والمنافق خب لئيم{[1560]} ، وليس المراد أنها بلهاء ، بل تفسر الغافلة بأنها الساذجة المستقيمة النفس التي تعيش بالفطرة ولا تجانفها . وقد قال الزمخشري في تفسير معنى الغافلات:الغافلات السليمات الصدور التقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ، ولا مكر ، لأنهن لا يعرفن الأمور ولم يرزن الأحوال فلا يفطنّ لما تفطن له المجربات العارفات .
وإن الغافلات أيضا لا ينتبهن لمقالات الآثمين ، ولا يعملن على ردها ، وسوق الفاسدين إلى القضاء ليقيم عليهن حد القذف ، وقذف هؤلاء أعظم جرما ، وأدل على اللجاجة في الأذى والاستهتار في القول من غير تأثم ولا تحرج ،{ المؤمنات} ، أي اللاتي يجملهن الإيمان ، ويزيدهن عفة فوق عفتهن بالفطرة السليمة النقية الطاهرة ، وقد ذكر سبحانه عقاب خسة هؤلاء الذين يرمون المحصنات الغافلات فقال:{ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أي طردوا ونبذوا في الدنيا ، فليس لهم فيها ذكر طيب ، ولا كرامة لهم ، ولا احترام لخساسة نفوسهم ، ولعنوا في الآخرة فهم مبعدون عن رضا الله ، وعن أن ينظر إليهم ، ولا يكلمهم ؛ لأنهم قد دنسوا ألسنتهم بإشاعة هذا الهجر من القول ،{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو دخولهم في الجحيم .