وهذا تأكيد على فظاعة القذف بالزنى في حساب المسؤولية أمام الله ،وأثره في إبعاد الإنسان عن رحمة الله ،ومواجهته للموقف في يوم القيامة على أساس النتائج السلبية الحاسمة التي لا يستطيع تفاديها ،كما لا يتمكن من إنكار ما فعله من أسبابها .
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} اللاتي يعشن العفّة كعنوانٍ عريض لسلوكهن في المجتمع ،نتيجة البناء الإيماني الذي تستند شخصيتهن عليه ،والعلاقة الزوجية التي يرتبطن بها فتحميهن من نوازع الانحراف ،{الْغَافِلاتِ} اللاتي ينطلقن في الحياة من موقع الغفلة عن كل الأحاييل والخطط التي يقف خلفها المنافقون الذين لا يخافون الله في ما يطلقونه من كلماتٍ غير لائقةٍ بالناس ،أو في ما يثيرونه من أجواء غير طاهرة ..{الْمُؤْمِناتِ} اللاتي يتحركن في حياتهنّ الفكرية والروحية والشعورية والعملية من قاعدة الإيمان ،فتدفعهن إلى الثقة بأفراد المجتمع المؤمن ،بأنه لا يتعمد الإساءة إليهن بكلمة أو بعمل ،فإن الاعتداء على كرامة هؤلاء المحصنات الغافلات المؤمنات يمثل الظلم كله ،لما يختزنه من خلفياتٍ نفسيةٍ خبيثةٍ ،ولما يثيره من مشاكل كبيرة معقدة في حياتهم العامة والخاصة ،لا سيّما في المجتمع الذي يحاسب المرأة في قضايا الانحراف أكثر مما يحاسب الرجل عنه ،لأنه يرى مسؤولية المرأة عن الانحراف أشدّ من مسؤولية الرجل ،دون أيّ أساسٍ شرعيٍّ أو واقعي في ذلك كله ..ولهذا فإن الإشاعة الكاذبة قد تترك أثرها تدميراً على سمعتهن يفوق ما تتركه هي نفسها من أثر على سمعة الرجل .
{لُعِنُواْ في الدُّنْيَا والآخرة} بما يمثله اللعن من إبعاد لهم عن الله وعن رحمته ومواقع كرامته ،فهم ليسوا من الله في شيءٍ ،لأن العلاقة به تعني الالتزام بحدوده في القول والعمل ،لأن الناس لا يقربون إلى الله بذواتهم ،بل بأعمالهم التي يلتزمون فيها الخط الإلهي في ما يأمر به أو ينهى عنه .
{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} على ما قاموا به من معصية ،وانتهكوه من حرمات الناس ،وساهموا فيه من إرباك الحياة الاجتماعية الطاهرة للمجتمع ،ما جعل المسألة في مستوى الجريمة الكبرى ،على أكثر من صعيد ..