هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات - خرج مخرج الغالب - المؤمنات .
فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ، ولا سيما التي كانت سبب النزول ، وهي عائشة بنت الصديق ، رضي الله عنهما .
وقد أجمع العلماء ، رحمهم الله ، قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به [ بعد هذا الذي ذكر] في هذه الآية ، فإنه كافر; لأنه معاند للقرآن . وفي بقية أمهات المؤمنين قولان:أصحهما أنهن كهي ، والله أعلم .
وقوله تعالى:( لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ) كقوله:( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) [ الأحزاب:57] .
وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة ، فقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبد الله بن خراش ، عن العوام ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) [ قال]:نزلت في عائشة خاصة .
وكذا قال [ سعيد بن جبير و] مقاتل بن حيان ، وقد ذكره ابن جرير عن عائشة فقال:
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال:قالت عائشة:رميت بما رميت به وأنا غافلة ، فبلغني بعد ذلك . قالت:فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندي إذ أوحي ، إليه . قالت:وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السبات ، وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي ، ثم استوى جالسا يمسح على وجهه ، وقال:"يا عائشة أبشري ". قالت:قلت:بحمد الله لا بحمدك . فقرأ:( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) ، حتى قرأ:( أولئك مبرءون مما يقولون ) [ النور:26] .
هكذا أورده ، وليس فيه أن الحكم خاص بها ، وإنما فيه أنها سبب النزول دون غيرها ، وإن كان الحكم يعمها كغيرها ، ولعله مراد ابن عباس ومن قال كقوله ، والله أعلم .
وقال الضحاك ، وأبو الجوزاء ، وسلمة بن نبيط:المراد بها أزواج النبي خاصة ، دون غيرهن من النساء .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله:( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) الآية:يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، رماهن أهل النفاق ، فأوجب الله لهم اللعنة والغضب ، وباؤوا بسخط من الله ، فكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد ذلك:( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) إلى قوله:( فإن الله غفور رحيم ) ، فأنزل الله الجلد والتوبة ، فالتوبة تقبل ، والشهادة ترد .
وقال ابن جرير:حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا هشيم ، أخبرنا العوام بن حوشب ، عن شيخ من بني أسد ، عن ابن عباس - قال:فسر سورة النور ، فلما أتى على هذه الآية:( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا ) الآية - قال:في شأن عائشة ، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مبهمة ، وليست لهم توبة ، ثم قرأ:( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) إلى قوله:( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ) الآية [ النور:4 ، 5] ، قال:فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة ، قال:فهم بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه ، من حسن ما فسر به سورة النور .
فقوله:"وهي مبهمة "، أي:عامة في تحريم قذف كل محصنة ، ولعنته في الدنيا والآخرة .
وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:هذا في عائشة ، ومن صنع مثل هذا أيضا اليوم في المسلمات ، فله ما قال الله ، عز وجل ، ولكن عائشة كانت إمام ذلك .
وقد اختار ابن جرير عمومها ، وهو الصحيح ، ويعضد العموم ما رواه ابن أبي حاتم:
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن - ابن أخي ابن وهب - حدثنا عمي ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات ". قيل:يا رسول الله ، وما هن؟ قال:"الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ".
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سليمان بن بلال ، به .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحذاء الحراني ، حدثني أبي ، ( ح ) وحدثنا أبو شعيب الحراني ، حدثنا جدي أحمد بن أبي شعيب ، حدثنا موسى بن أعين ، عن ليث ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة ".