وإن حكم الله تعالى الأخذ به من تقواه ، والاعتصام بالعروة الوثقى ، ولذا قال تعالى:
{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ( 52 )} .
الواو عاطفة استئنافية ، لبيان أن من يتقي الله ويخشاه هو الذي يفوز حقا ، ونجد هذا الكلام فيه شرط وجزاء ، والشرط مكون من أجزاء ثلاثة بعضها مترتب على بعض . أولها:طاعة الله ورسوله ، بامتلاء القلب بالطاعة . بحيث يخضع له ظاهرا وباطنا ، ويخضع قلبه مع خضوع كل جوارحه ، وهذا هو الجزء الأول ، أو النقطة الأولى من الخط المستقيم الذي يبتدئ بالطاعة ، وامتلاء القلب ، ثم ينتقل من الطاعة الخاضعة الخانعة إلى الخشية ، خشية الله تعالى ، إذ يعلم ذاته وصفاته ، ويمتلئ بهيبته وطاعته ، كما قال تعالى:{ إنما يخشى الله من عباده العلماء . . . ( 28 )} [ فاطر] ، ويقول الراغب الأصفهاني:والخشية خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه ، وقال تعالى في صفة العلماء:{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله . . . ( 39 )} [ الأحزاب] .
وإنه يجيء بعد الخشية الخوف من الله واتقاء عذابه ، ولذا قال تعالى:{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} ، فالتقوى جعل وقاية بين الشخص وعذاب الله تعالى ، قال تعالى في وصف المؤمنين ،{ إن الذين هم في خشية من ربهم مشفقون ( 57 )} [ المؤمنون] .
هذه أجزاء الشرط ، أما الجزاء ، فهو قوله تعالى:{ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} الفاء فاء الجزاء ، والإشارة إلى المتصفين بهذه الصفات الجليلة ، والإشارة إلى موصوف بصفات تكون الصفات سبب الجزاء ، فهذه الصفات سبب الفوز ، والآيات تفيد قصر الفوز عليهم ونصرهم ، وذلك لتعريف الطرفين ، وقد أكد سبحانه وتعالى فوزهم بالجملة الاسمية ، وبضمير الفصل ( هم ) ، وبقصر الفوز عليهم .