وقد رد الله تعالى عليهم أن أخذوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه فقير يمشي الأسواق ، فقال:
{ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ( 10 )} .
تبارك أي تكاثرت وتسامت بركة الله تعالى على أوليائه وعلى المرسلين من عباده ، وعلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين{ إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} علقه سبحانه وتعالى على مشيئته التي تكون على مقتضى حكمته ، جعل لك خيرا مما يتباهون به ، وينتقضون رسالتك ، لأنها لم تكن ذات كنوز ، ولا حدائق ، و( خيرا ) مفعول ، و( جنات ) بدل من خير ، وبادر النص بالخيرية لإثبات أن الله تعالى قادر على إعطاء محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم زينة ، والخيرية هنا هي خير المظهر ، والنعيم الدنيوي ، وأما ما هو خير عند الله تعالى جزاء معنويا وماديا فإنه في الآخرة .
{ وَيَجْعَل لَّكَ} معطوف على{ جعل} والجزم على محل جعل ، لأن{ جعل} جواب الشرط فمحله الجزم ، فيكون العطف عطف مجزوم على مجزوم ، والقصور هي مساكن عطاء الدنيا التي يتباهى بجمالها ، ومتانة بنيانها ، وزخارفها ، وطنافسها .
ولكن الله تعالى لم يشأ لأنبيائه زخارف الحياة ، ولكن اختار لهم مشقة الحياة وأن يعيشوا على الكفاف ، لأنه حيث كان القل من العيش كان الإخلاص والاتجاه الكامل إلى الله تعالى ، لا يشغله عنه شاغل من متع هذه الحياة ، ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه يقول:( اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين ) ، ولأن الأنبياء قادة الخليقة إلى الله تعالى ، فيجب أن يكونوا قريبين من أضعف الناس لا يتجافون عنهم في مظهر ، ولا عرض من أعراض الدنيا ، ولأنهم يتجهون إلى معالي الأمور ، ولا يتجهون إلى سفسافها .