{ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم}الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ؛يكلفه جل شانه ان يوجه غليهم ذلك السؤال لينبههم إلى عظيم شان ما أخره لهم سبحانه من نعيم مقيم عن أحسنوا ،فالاستفهام للتنبيه ؛وقد حوى من طرق التنبيه ثلاثة:أولها:التعبير ب{ أؤنبئكم} ؛لأن الإنباء معناه الخبر العظيم الخطير الشأن ،وثانيها:التعبير ب{ ذلكم}بالإشارة للبعيد للدلالة على عظيم شأن ما سيخبرهم به ، وبالتعبير ب"كم"كأنه يدعوهم جميعا ليستمعوا إلى ما سيخبرهم به ،وثالثها:التعبير ب"خير"الدالة على الأفضلية ،وان نعيم الجنة خير لا شر فيه قط ،وان نعيم الدنيا لا يخلو من شر .
وبعد ان كان الاستفهام الذي سيق للتنبيه كان الجواب هو:
{ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله}هذه متع الآخرة ،وهي أعلى مقاما ،وأعظم مكانا من نعيم الدنيا ،وهي أربعة:
أولها:{ جنات تجري من تحتها الأنهار} ،وفي هذه الجنات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر .
وثانيها:الخلود ، وهو نعمة وحده ،فكل ما في الدنيا عرض زائل يعروه الفناء ،وما في الآخرة دائم البقاء .
وثالثها:{ وأزواج مطهرة}لا دنس فيها ،ولا ما يشينهن او يوجد الريب ،فلا معكر من شر او ما يشبهه .
و رابعها:وهو أعظمها بل أعظم ما في الوجود ، وهو{ ورضوان من الله}أي رضا عظيم من خالق الخلق ، ومبدع الكون ومنشئ الوجود ، فالرضوان مصدر كالرضا ،ولكن يزيد عليه أنه الرضا العظيم ؛لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ،ولأن التنكير قصد به التفخيم والتعظيم ، ولأنه إبهامه ثم بيان مصدره فيه إشارة إلى شرف هذا الرضا بإضافة لأعظم نسبة إذ هو منسوب إذ هو منسوب إلى الله جل جلاله .
{ والله بصير بالعباد}أي أن الله سبحانه جل جلاله عليم بأحوال العباد علم من يبصر ويرى ،فهو يعلم دقائق أحوالهم وخفى أمورهم ،وخلجات قلوبهم .وصدر سبحانه القول بلفظ الجلالة لتربية المهابة في القلوب ،وإشعارها بعظمته .وإذا كان الله سبحانه وتعالى عليما بخفى أحوالهم ،فإنه سيجزى المحسن إحسانا والمسئ عقابا ؛فهذه الجملة السامية فيها وعد ووعيد ،وفيها إشعار برقابة العلي القدير ،مما يجعل المؤمن التقي يشعر دائما بأن الله يراه ،وغن لم يكن هو يراه ،ويتحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"اعبد الله كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك"{[471]} .